TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > على فكرة: الحاج ماركس

على فكرة: الحاج ماركس

نشر في: 9 أغسطس, 2021: 09:43 م

 د. أحمد الزبيدي

أكد ماركس على فاعلية الإيديولوجيا عبر مقولته الشهيرة : ( إنّ أفكار الطبقة الحاكمة هي في جميع الحقب الأفكار الحاكمة؛ أي أن الطبقة التي تشكل القوّة الماديّة الحاكمة في المجتمع هي في الوقت نفسه قوّته العقلية الحاكمة .. ))

وقاد تصوره إلى شيوع تعريف الإيديولوجيا على أنها الصور التي يعي بها الناس عالمهم فيصبح (العقل) ملكًا لغيرهم كما يقول جورج طرابيشي.ولا شك في أن اللغة واحدة من أهم العلامات الدالة على هيمنة الأفكار الحاكمة عبر منظومة دلالية تنتمي إلى حقل معيّن تجسّد ثقافة المجتمع .. فلا شيء خارج اللغة كما يقول البنيويون.

لو تفحصنا واقعنا _ الآن _ لمعرفة طبيعة الأفكار المهيمنة على مجتمعنا ومن خلال النسق اللغوي لوجدنا هيمنة المصطلحات ( الدينية ) التي تحولت إلى صيغ وصفية ومعيارية في الوقت نفسه! بل أصبحت ( سلطة ) تُفْرَض على الآخر لتحتكره ضمن الدائرة الثقافية التي تتمركز حول إيديولوجيا معيّنة؛ ولعل من الظواهر الاجتماعية المشخصة من خلال إيقونة اللغة هي ظاهرة ( الحجي ) : دال يطلقه المتكلم على الآخر غير المُعَرّف .. ينادي به سائق التكسي ، صاحب فرن الصمون والمخبز والطبيب والصيدلاني ...! دعونا نتخصر التنوع: إنه المصطلح الأكثر شيوعًا في مجتمعنا للتداول اللغوي والتخاطب والتحاور بالمهن والحرف كلها من أبسطها حتى أرقاها.. ومَنْ له مساحة لا بأس بها من العمر ليتذكر أنه لم يكن هذا الدال شائعًا في السابق وربما لا يعود شيوعه التداولي كلغة تخاطب وتعارف وتحاور إلى أكثر من بضع سنوات عجاف. ترى مَنْ الذي غيّب التداول اللغوي المدني بين المتحاورين في ( المدينة ) كالدال ( آنسة ، مدام ، أخي، عزيزي.... )وأحل محلها : (حجّي وحجّية)؟ وهو مصطلح ديني يخص ركنا من أركان العبادة بل يخص آخر الأركان إذ يطلق على من أجّل مغفرة الذنوب وتصفير الخطايا قبيل رحيله إلى العالم الآخر حتى يضمن ( الحشمة ) والوقار والاحترام من قبل الناس والتزكية والإجازة الدينية .. بكل تأكيد لم يكن شائعًا بين طبقة الشباب وكان حكرا على ( كبير السن ) بوصفه حجّيًا وإن لم ينتم .. والآن نجده لازمة يطلقها الشباب ليس تعبيرا عن العمر بل للتعبير عن ( الاحترام ) للآخر !

وعلى وفق التصور الفلسفي الماركسي بأن الطبقة الحاكمة تفرض أفكارها فإن المهيمن على مجتمعنا هو الخطاب الديني المتبلور عبر تعدد إيديولوجي سياسي مقدس يتخذ من مرتبة الحاج درجة سلطوية معينة .. فنحن أمامنا ( الحاج أبو إسراء والحاج أبو هادي العامري والحاج أبو فدك والحاج أبو علي ... ) وهؤلاء يمثلون التصور الديني القائد للمجتمع بغض النظر عن نظرة الآخر إليهم إن كانوا قادة ناجحين أم فاشلين تابعين أم متبوعين.. فلسنا في صدد المعيار السياسي إنما بصدد ما تركته تصوراتهم الإيديولوجية من آثار حاكمة في مجتمعنا لأن الثقافة هي ما يتبقى بعد نسيان كل شيء وعليه فإن هذا التحول الاجتماعي إنما هو تحول إيديولوجي ديني؛ و من مظاهرة المركبة الأخرى التابعة له ( الجمعة المباركة ) التي غدت لازمة تواصلية في مواقع التواصل الاجتماعي .. صحيح أنها تنطلق من احترام المرسل للمرسل إليه ولكني أشم فيها رائحة النسق السلطوي الديني المتنامي عبر الهيمنة الإيديولوجية ناهيك عن تحول بعض الشعارات الدينية إلى نغمات للمسجات والموبايلات والصور للرموز الدينية المتصدرة للأجهزة النقال الحديثة المصنوعة في ( أحدث ) المصانع الغربية !! ..

ولست ضد حرية الفرد واختياره لمقدسه أن يكون علامة دالة على ذاته عبر مقتنياته الشخصية.. ولكن أن تتحول تلك الرموز إلى علامات معيارية تفرض وجودها على الآخر المختلف معها ، فهنا هي السطوة الثقافية التي تحتكر الآخر ليكون تابعًا لها.. ولك أن تتخيل مدى هيمنة الأفكار الدينية المؤدلجة حتى أصبحت قادرة على أن تذبح اللغة لتكون ( أضحية ) للمعنى .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عدي باش

    في زمن الرثاثة حيث السيادة للجهل و الرياء ، شاعت لغة تخاطب ماكرة ،

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram