د. فالح الحمـراني
إن الجهود التي تبذلها بغداد لعقد قمة إقليمية واسعة النطاق، تهدف الى تذليل الخلافات بين الخصوم القدامي في الشرق الأوسط التوصل إلى تفاهمات صادقة بينها، جهودا حميدة، رغم ما يحف تحقيقها من مصاعب بالغة. وستتم دعوة السعودية وإيران وتركيا وسوريا لحضورالاجتماع المزمع عقده في بغداد. والحكومة العراقية تنطلق من ان نجاح المصالحة بين الدول الأقليمية،
سوف يخفض من مساعيها الرامية إلى جعل العراق ساحة لتصفية حسابتها وبالتالي جر بغداد للإنخراط في خصوماتها وخلافاتها. بيد أن الحكومة العراقية، كما ببدو تجاهلت ان مثل هذه الخطوة لا يمكن ان تتحق بنجاح من دون تحقيق الإستقرار الداخلي والمصالحة الوطنية الداخلية الشاملة، وان عليها في البداية ان تعقد «قمة» للقوى الوطنية العراقية بمختلف اشكالها، للتفاهم والتوافق على اخراج العملية من ازمتها المستدامة وإستتباب الأمن وانعاش اإقتصاد، وارساء نظام عادل ومتوازن تتكافئ فيه الفرص وبحق، أمام كافة قوى ومكونات الشعب العراقي، والاتفاق على برنامج حكومة قوية وفاعلة، مدعومة من قبل الشعب، تتألف من وزراء مؤهلين، ونالوا حقائبهم ليس عن طريق المحاصصة بل لمؤهلاتهم وخبراتهم. ففي نهاية المطاف ان السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية وانعكاسا لها، ومن دون تحقيق استقرار داخلي مدروس لن تتحق النتائج المرجوة بالشكل الكامل، من القمة الإقليمية.
فالوضح العسكري والسياسي في العراق على وفق تقيمات المرصد الشهري لمعهد الشرق الأوسط في موسكو في شهر يوليو الماضي مازال معقدا،وما تزال البلاد غارقة في أزمة منهجية طويلة الأجل. و ما تزال التناقضات الخطيرة حول العديد من القضايا الأساسية للسياسة الداخلية والخارجية قائمة بين القوى السياسية النافذة في العراق. ويتفاقم الوضع في البلاد، لا سيما في مجال الاقتصاد والحالة المالية، إلى حد كبير بسبب انخفاض أسعار النفط نسبيًا في السوق العالمية.
واشار تقرير المرصد الذي نعرض لبعض جوانبه الى استمرارالاحتجاجات الشعبية المناهضة للحكومة، ويطالب المشاركون فيها السلطات بتحسين الخدمات الأساسية للمواطن، وحماية المواطنين من العنف المستمر. ولا تزال البلاد تعاني من نقص حاد في المياه، وخاصة الكهرباء. وزاد بشكل ملحوظ التأثير السلبي لوباء فيروس كورونا في الشهر الماضي، على الوضع في العراق - وزاد بشكل حاد في مناطق مختلفة من البلاد عدد حالات COVID-19، وتواصل عصابات إرهابيي تنظيم داعش، العمل بنشاط. وتشن الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران هجمات على القواعد العسكرية التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، وقوافل تنقل البضائع لقوات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، وغيرها من أهداف قوات التحالف. ولا يزال التأثير القوي للجماعات المتحالفة مع إيران على الحكومة العراقية قائمًا. وتعقد العديد من القضايا العالقة العلاقات بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وقيادة منطقة كردستان العراق.
وعلى وفق تقويم التقرير فقد كان الحدث الرئيسي للسياسة الخارجية في تموز هو زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد الكاظمي إلى واشنطن، والتي أعلنت خلالها الولايات المتحدة انتهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية في الأراضي العراقية بنهاية عام 2021، ولكن في نفس الوقت. الوقت الذي ستواصل فيه واشنطن دعم قوات الأمن المحلية في مكافحة الإرهاب.
وكان الوضع السياسي الداخلي في العراق في تموز 2021، صعبا. ولا تزال هناك تناقضات خطيرة حول عدد من القضايا الأساسية للسياسة الداخلية والخارجية بين القوى السياسية الرائدة في البلاد، مما يعقد حل العديد من المشاكل السياسية والاقتصادية والعسكرية المهمة التي تتطلب حلولاً عاجلة.
و مستوى السخط بين الشعب العراقي في الوقت الحاضر، مرتفع للغاية. وبشكل رئيسي بسبب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية: نظام رعاية صحية ضعيف ومستويات معيشية متدنية وممارسة الفساد على نطاق واسع. لا يزال العراقيون يعانون من انقطاع التيار الكهربائي المستمر، والأوضاع الأمنية الرهيبة والابتزاز المستمر. وبلغ معدل البطالة الرسمي في العراق 13.74٪ عام 2021. وينمو عجز الميزانية في البلاد لسنوات عديدة متتالية، «لأن عائدات بيع النفط - المصدر الرئيسي للدخل - لا تغطي تكاليف الحفاظ على جهاز الدولة المتضخم. والبنية التحتية التي صمدت على مدى عقود من الحروب مهترئة بشدة، كما أن تحديثها معقد بسبب الفساد على جميع المستويات الإدارية «. وفي الوقت نفسه، تعلن القيادة العراقية «إطلاق مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق، مثل إنشاء أول محطة للطاقة النووية الخاصة بها بثمانية مفاعلات نووية وقدرة تصل إلى 11 جيجاوات، أو إنشاء ميناء فخم. في البصرة «.
في غضون ذلك، تواصل البلاد الاستعدادات لإجراء انتخابات مبكرة لمجلس النواب، والمقرر إجراؤها في 10 تشرين الأول من العام الجاري. ولكن أعلنت بعض القوى والأحزاب السياسية، الشهر الماضي، رفضها المشاركة في الانتخابات المقبلة. على سبيل المثال، قال السيد مقتدى الصدر في 15 تموز: للحفاظ على ما تبقى من البلاد وإنقاذ البلاد. أبلغكم أنني لن أشارك في هذه الانتخابات، كما قال الصدر «إنه لن يدعم أحداً». وقال إنه يرفض دعم الحكومة العراقية الحالية و «أولئك الذين سيصلون إلى السلطة في المستقبل». وفي الوقت نفسه، ألمح السيد الصدر إلى تنامي هيمنة الميليشيات المدعومة من إيران، وكذلك السياسيين الأكثر توجهاً نحو الغرب، قائلاً: «يجب على شعب العراق أن يندم على أولئك المرتبطين بلاعبين أجانب، أو هؤلاء. الذين يعملون على تطبيع العلاقات مع اسرائيل «.
وأعلن الحزب الشيوعي العراقي في 24 تموز انسحابه من الانتخابات البرلمانية المقبلة. وبحسب القيادة الشيوعية فإن «الأجواء غير مناسبة لإجراء الانتخابات وهناك الكثير من الارتباك في العملية السياسية». كما أن «الفساد والمخالفات المالية والجماعات المسلحة الخارجة عن سيطرة الدولة يمكن أن تؤثر على الانتخابات، ولا تأخذ على محمل الجد مطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشوارع منذ أكتوبر 2019». ويذكر أن الحزب الشيوعي العراقي حصل على مقعدين في انتخابات 2018 البرلمانية على القائمة المشتركة ضمن ائتلاف سائرون.كما أعلنت جبهة الحوار الوطني وهي حزب سياسي بقيادة نائب رئيس الوزراء السابق صالح المطلك،في 28 تموز، أنها لن تترشح للبرلمان بسبب الأجواء «غير المواتية» في البلاد لانتخاب عادل. وانتقدت الجبهة انتشار نفوذ الجماعات المسلحة غير الخاضعة لسيطرة الدولة، والمخالفات المتوقعة خلال الانتخابات. وفي اليوم نفسه أصبح « المنبر العراقي» رابع حزب ينسحب من الانتخابات البرلمانية في العراق. وقال الحزب الذي يتزعمه رئيس الوزراء العراقي السابق علاوي، إن الوضع غير مناسب لإجراء انتخابات نزيهة. في 29 يوليو، دعا الكاردينال بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المسيحيين إلى مقاطعة التصويت، مشيرًا إلى مخاوف بشأن خطر الاحتيال وأعمال الميليشيات الموالية لإيران.
ان «انسحاب عدد من الاحزاب من السباق الانتخابي يشهد على انقسام عميق بينها وبين الحكومة الحالية. جزء من القوى السياسية العراقية يعلن في الواقع انعدام المنطق والقدرة على التنبؤ والظلم المبدئي للتصويت المرتقب «. فهل ستنجح الحكومة العراقية في تصفية الاجواء اإقليمية قبل تحقيق الوفاق الوطني الشامل وتصفية الأجواء في داخل البلاد؟.