طالب عبد العزيز
مع أنها باتت الموضوع الرئيسي لجهده النقدي إلا أنَّ عبد الفتاح كليطو يقول في مقدمة كتابه( في جوٍّ من الندم الفكري) بأنه أخفق في فهم جماعة اللسانيين، وهو يحضر مجالسهم، وتبيّن له بانه لم يكن مؤهلاً للخوض في التنظير اللساني والادبي، ويشير الى عجزه الواضح عن كتابة دراسة رصينة على وفق المعايير الجامعية المعهودة.
ترى، هل تعد مثلبة ما على الكاتب أوالشاعر أوالناقد أو القارئ حتى، إذا لم يحط بجملة العلوم الفكرية والمناهج النقدية التي يطرحها المفكرون والفلاسفة والتي شملت مختلف توجهات الحياة العامة ؟ وما هي الحدود الكامنة بين المعرفة والجهل هنا؟
أذكر أنني مرةً، وفي ورشة خاصة بالصحافة الالكترونية، أقيمت في دبي، في العام 2006 حيث لم أكن اعرف استخدام الكومبيوتر، وحدث أن ضغطت بالخطأ زراً ما، ثم آخرَ، فآخر حتى أضعت الصفحة والمادة التي اريد، وبما أنني لا أعرف كيفية استرجاعها فقد اضطررت الى الاستعانة بالمدرب(مدرب الصحافة) وكان بريطانياً من أصول يمنية، إلا أنه قال بأنه لا يعرف أيضاً، وعلينا الاستعانة بالمهندس الفني، صاحب الشأن، مع يقيني بأنَّ المدرب كان قادراً على استعادة الصفحة، وإصلاح الخطأ. من هناك عرفت ولأول مرة، بأنَّ المعارف ومنذ عقود طويلة، قد اتجهت الى التخصص، وأنَّ الجهل بشيء لا يعني الجهل بكل الاشياء، وأن تحيط بمعرفتك جانباً ما خيرٌ لك من أن تركض خلف جملة المعارف تلك، ثم لا تعود منها بشيء.
في الثمانينات انشغلت صحافتنا الثقافية بمنهج البنيوية النقدي، وصار حديث النقاد، ومادة لمساجلات طويلة بين الناقدين مدني صالح ومالك المطلبي، ثم انسحبت على آخرين، نقاداً وأكاديميين، وشعراء، وكتاب قصص، وصحفيين، وصار اقتناء كتب البنيوية مدعاة للمفاخرة بين ذوي العناية الخاصة بالمنهج والطارئين عليه، وتمكن بعضهم من الحصول على كتب بارت وتودروف وياكوبسن عبر ترجمات الادباء المغاربة، والتي أضافت الى الحوار ذاك اشكالية أخرى، بسبب المصطلحات، المترجمة عن الفرنسية على السنة المغاربة، غير المستقرة بعد، وأكاد أجزم بأنَّ قلة قليلة هم الذي خلصوا الى فهم البنيوية آنذاك، وبما لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.
هل يعاني الفرد في المجتمعات الحديثة من عقدة نقص المعرفة؟ فما نشاهده على الشاشات يثر الدهشة حقاً، حيث الكل يريد الاجابة عن كل شيء يُسأل عنه، وأنَّ جملة (لا أعرف) باتت تخيف الناس من الاتهام بالجهل، وتكشف بعض القنوات عن هشاشة معارفنا وحجم المكابرة الفارغة التي بداخل بعضنا، عبر الاصرار على الاجابة عن السؤال الخطأ، الذي يكشف لنا بأنْ لا أحد بيننا يريد الرد بجملة: لا أعرف. شخصياً ما زلت لا أعرف عن البنيوية إلا القليل، وكذلك عن السوريالية والدادائية والشكلانيون الروس ومدرسة نيويورك وجيل اودن والتفكيكية وما بعد الكولولينالية ما بعد بعد الحداثة بتعبير اماني ابو رحمة والميتافكشن وو . ترى أيتوجب عليّ معرفة هذا كله؟ وهل هناك من العمر ما يكفي لجني حصاد كهذا؟ وهل أبخس حق معرفتي، خاصتي؟