TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الرسائل القاتلة

قناطر: الرسائل القاتلة

نشر في: 21 أغسطس, 2021: 10:59 م

طالب عبد العزيز

كل مشاركة مجتمعية مالم تكن عفوية، مهما بلغت أهميتها بتصور البعض، وبما فيها الرسائل التي نتبادلها صباح ومساء كل يوم، مع الاهل والاصدقاء، وعن قناعة ستكون عبءًا. هناك قيود أخلاقية باتت تنغّص علينا حياتنا.

الحياة ليست بهذه السفاهة، كيما ننصرف اليها بهذه الرسومات والكلمات الجاهزة، إنما هي من التعقيد بما لا يوجب الكلام أحيانا، وهي على درجة من الارباك، تستدعي منا الانصراف عن مثل ترهات(صباح الخير، وجمعة مباركة، وعيد مبارك ووو) التي يبعث بها البعض بشكل يومي، وبما افقدها معانيها.

لدي أهل وأصدقاء أحبّهم ويحبونني، أبادلهم الأحاسيس والمشاعر ذاتها، واشاركهم الافراح والاحزان، لكنني، بتُّ أضيق ذرعاً بمتوالية الرسائل، التي يبعثون بها، مثلما بتُّ اشعر بالذنب على اهمال بعضها، فلا أردُّ، هذه التفاصيل الصغيرة التي أدرك، جيداً إعتقاد البعض بأنَّ عدم ارسالها لي مثلبةً في وفائه، أو احساساً بالتقصير منه، تشعرني بالدونية إن اهملتها، تعصر قلبي الماً، أنا المسكون بالاحاسيس والمشاعر الصادقة. فليرحم هؤلاء ضعفي. نعم، اشعر بأنَّ البعض منهم يرى في ذلك تكبراً، ولا مبالاة مني أحيانا، لكنني، لست والله كذلك، بل أنا أضطر لأفعال مثل هذه وتلك مع الكثير، ممن تطول غيبتهم عنّي، أو تساورني الشكوك بتعرضهم لعارض ما، أو حتى لشعوري بفقدهم، في عالم كل شيء فيه آيل للفقد والضياع.

لا يقتصر الامر على الرسائل تلك، إنما تجاوزه الى المناسبات الدينية والوطنية، مثل عيد رأس السنة، المسيحي، والمولد النبوي، أو العيدين الاسلاميين، ورمضان والعاشوراء، ومعركة بدر، وعيد الغدير، وعيد القيامة،عند الأخوة الصابئة المندائيين، وكذلك مناسبات عند بعض اليهود العراقيين ربما، فضلاً عن أعياد الميلاد الشخصية والاسرية والوفيات والمواليد وهناك الكثير والكثير.. التي أجدني فيها مضطراً للرد، وتبادل التهاني أوالمواساة، في فعل مؤرق حقاً، لا مخرج منه، إذ، غالباً ما أرى نفسي بين واقعتي الرد والاهمال، فالرد يستوجب الانفعال، واختيار الكلمات المناسبة، والتعبير عن الشعور، غير الزائف (تسقيط الفرض) كما يفعل الاسلاميون، والاهمال فعل ليس من المروءة بشيء، ويقتضي الجرأة في الإشاحة، وتغييّب الضمير والوجدان، والتنصل عن المشاركة وما هي من طبعي والله.

قبل أسبوع أشعرني أحدهم- بمودة- بوجوب إحترام المناسبة، لا لشيء إلا لأنني وضعت أغنية على صفحتي. أغنية عادية، أحببتها، لا فحش ولا بذاءة فيها، هي مما نردده ضمن أفعالنا التقليدية واليومية. لا أنفي برمي وضجري من تعنيفه لي، فقد آلمني كثيراً. أحسست أنه يتهمني بما ليس بي، لعله تصورني سعيداً، أو مستهجناً الحادثة. كدتُ انهار ألماً وندماً.

هناك من يريد من صفحتي أن تعبّر عن توجهه القومي أو الديني أو الطائفي، فيفهم عدم مشاركتي بمنشور عن واقعة كربلاء، واستشهاد الامام الحسين بأنني سنّي وطائفي، ويرى الآخر شيعيتي في رسالة أبعث بها لأحدهم بمناسبة عيد الغدير مثلاً مثلما يرى احدهم بأنني علماني وشيوعي، إن لم أضع صورة الهلال في رمضان، وهكذا الحال في مناسبات عامة وشخصية، هناك من يرى عدم مشاركتي بمناسبات قومه وطائفته شيئاً من نكران وجحود أيضاً، وهذه مظالم تستغور الروح وتدمي القلب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: في محبة فيروز

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram