د. أياد كاظم السلامي
انطلاقا من النص وعنونته الذي جاء محملاً بالشفرات والعلامات التي اشتغل عليها المخرج، انطلاقا من انتهاكات مفردها انتهاك هي كل الاعمال المنافية للاتفاقيات والبروتوكول والاعراف الأخلاقية والاجتماعية ويمكن أن تؤدي إلى اجراءات إدارية أو تأديبية أو جزائية .
تعريف : كما نعرف ان هناك حقوق لكل الانسان وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة نص قانون حقوق الإنسان في العاشر من كانون الأول من عام 1948م، تم فيما بعد ضمّ المزيد من الحقوق إلى القانون والتي تضمن حقوق الأطفال والمرأة والبشر كافه ، فضلا عن وجود بعض القوانين التي تحمي الحيوان .
ان خلق عملية التواطئ ما بين المرسل والمتلقي لأجل بناء علاقات تواصلية من خلال اي عرض مسرحي تتكون من انساق متعددة في مقدمتها النسق التواصلي الاول بين المؤلف والمخرج او المخرج بوصفه مؤلفاً وكما معروف فان الاخراج إعادة إنتاج للنص المسرحي وفي رسم شكل العرض الدرامي ففي عرض انتهاكات يكشف لنا عن فضاءين فعلى وفق نسق ما طرحه المخرج بتشكيل فضاء العرض من مستويين كان مرئيا وضمن البنية النصية ومن خلال نسق تركيبي جديد يرتبط هو الآخر بوظيفة تحولية مع المتلقي الذي تقع على عاتقه فرضية تفسير ذلك النسق بكل ما يحمل من دلالات متنوعه سمعية وبصرية ففي عرض (انتهاكات) الذي اشتغل على حقوق الاموات واطلق تساؤلا محوريا الذي استمد العرض عمقه الفكري من هذا التساؤل، هل لدى الاموات حقوق؟ في مجتمعاتنا الكل يعلم ان الاحياء حقوقهم مهدورة فكيف الاموات، ومن هذا التساؤل انطلق العرض، كيف نصون حقوق الشهداء؟
في عرض انتهاكات تتمظهر بعض العلامات المتحولة من عنصر الى آخر ومن وظيفه الى اخرى والهدف اشتراك اغلبها في ارسال علامة ذات مدلول مركب ، وهذا التنوع في العلامات شكلت مستويات دلاليه خاصه بالعرض : اقمشه بيضاء كراسي مطليه باللون الابيض ، وما عملية تحديد النسق العلاماتي للعرض بدءا من تأثيث مكانية العرض وفكرته التي شطرها المخرج الى منطقتين علويه وهي الواقع الفيزيائي المعاش ( بيئة الحياة) وسفليه افتراضيه (المقبرة) ، هذا التأثيث متاتٍ مما يطرحه الفكر الميثولوجي والديني المتمركز في البنيه الذهنية حول العالم الاخر. ولأجل فك تحليل شفرات عرض انتهاكات، لابد من عملية التركيز بصورة خاصة على بيان كيفية انتظام هذه العلامات والشفرات في أنساق دالة ( ثلاث فريمات وثلاث ستولات وثلاث شخصيات) كما في استخدام القماش الابيض للفصل بين المكانين ،( المعاش : بيئة الحياة / الافتراضي: المقبرة) المستمد لونه من ( الكفن ) ، فقد شكل الفضاء المسرحي لنص انتهاكات صوره مجازيه داله لواقع معاش مقابل المكان المسرحي، فالأول هو من نتاج مخيلة مؤلف المسرحية ( افتراضي )، وهو يحتاج إلى (مكان مسرحي) لأجل الاداء وتوصيل فكرة العرض ، أيا كان شكله وطرازه المعماري ليتحقق ويصبح ملموسا، ولطرح خصوصية الأمكنة التي جرت فيها احداث المسرحية، وليصبح فضاء مسرحيا يعطي نسقا من خلال الارتحال الى الدار الأخرة ولايملك غير قطعة قماش بيضاء، وعلى وفق تجربة (بروك) يبني التراث الأسطوري والعمل على إعادة إنتاجه على نحو معاصر ما تم ملاحظته في رحلة (اوديسيوس) في ملحمة (الاوذيسه) وكذلك فيما طرحته اسطورة (اورفيوس) فنجد اثار اقدام في عمق المسرح لشخصيات سلكت طريق للنزول الى المستوى السفلي وهو ارض الاموات (هيدز) ، فالموت ماهو إلا القناع الذي يخفي نشاطاً أكثر عمقاً و أقوى مغزى وان ما يسميه القانون بالموت هو المظهر المرئي للحياة وهذه الحياة هي الحياة الأخلاقية، ومايسمى بالموت لايمكن ان يقطع العمل لأن العمل ينبغي أن ينجز لأن هناك يتعين ان يقوم بمهمه فليس هناك حد للحياة, لان هناك حياة باقيه ازليه، وما عملية الكشف عن مكونات هذه الحياة الثانية قد تمت وفق آلية اشتغالها لهذه العلامات الذي ، لأجل استنطاق شعرية العرض .
اعتمد المخرج على ما تراه ارواح هذه الشخصيات التي غالبا ما تعبر عنه بالبوح بماضيها المليء بالأوجاع والذكريات المرة لأغلب شخصيات العرض .
تتمحور فكرة العرض حول ما يبخسه الاحياء من حقوق تجاه للأموات، وكيف اذا كانوا قد ضحوا بأنفسهم وبذلوا دمائهم تجاه الوطن فاصبحوا ( شهداء ) جعلوا من مقبرتهم مكب للنفايات حيث نشاهد في المستوى العلوي (المعاش: بيئة الحياة ) اكياس القمامة السوداء قد تناثرت بصوره عشوائية . في حين نجد فرضية المكان واضحة المعالم في بنية النص ومن خلال ذلك ترك المؤلف هذا الخيار لرؤيا المخرج الذي بدا مدركاً لصياغة مكان العرض السينوغرافي فعلى الرغم من ان النص لم يكن يعبر عن البيئة بصورتها التفصيلية الا أن المخرج ومن خلال السينوغرافيا بالتعاون مع ( مجباس الجميلي) والتي اختارها للعرض استطاع أن ينقل البيئة العراقية العسكرية والمزواجة مع بيئة ارض الاموات ( القبور ) حيث تجري احداث مسرحية انتهاكات.
ان عملية الاختلاف بين النص والعرض من خلال ما ارسلته السينوغرافيا عبر الاختزال للكثير من المشاهد السردية وتحويلها الى صور بصرية كان لها تأثير في تطوير الجو النفسي للعرض، و وما عملية استخدام المخرج للعديد من المفردات الاكسسوارية التي أسهمت في التعبير عن الشخصيات والعرض بشكل عام كان لها اثر عميق في تقريب الصورة العامة حول حياة تلك الشخصيات وكيف تعيش في المقابر، فقد حول المخرج مكانية العرض من مقبره لأجل تواجد الشخصيات فيها، ربما اراد ان يقول انه سجن تريد الشخصيات الهروب منه والذهاب الى مقابر اخرى افضل واكثر وفاءا من هذه المقبرة التي اصبحت مكبا للنفايات البشرية ( الفكرية –المادية ) بصورتها المجازية و بكل انواعها .
كما ان عملية استخدام لعدد من المفردات الاكسسوارية (مكملات العرض ) والديكورية والعمل على تركيبها داخل بنية العرض لتتحول الى علامات دالة، منها استخدامه ( الاستول ) التي هيمن عليها اللون الابيض كما هيمن على جميع المفردات العرض، فقد عمد المخرج الى الابتعاد عن الالوان البراقة حتى في اختياره لأزياء الشخصيات الداكنة او استخدامه للملابس التي يرتديها الاشخاص في حياتهم اليومية ربما لم تكن مخطط لها كأزياء داله، الامر الذي يحيل المتلقي الى قراءة أحاسيس الشخصيات من خلال قراءة البيئة التي تكشفت عن الحزن وغياب الامل ونكران الجميل لما قدموه تجاه الوطن، والذي إعتمده المخرج من اجل التعبير عن الالم النفسي داخل ارواح هذه الشخصيات التي غالبا ما تعبر عنه بالبوح بماضيها المليء بالأوجاع، فكانت جرعة الحب الذي يقتات عليه البشر في لحظات الالم وسيتذكر الجندي لقاء الحبيبة للبقاء بقربها وترك نداء الوطن لكنه يجد قيمة الانسان برجولته فيتركها ليقدم روحه للوطن.
من خلال السينوغرافيا التي استخدمها المخرج عبر اختزاله للكثير من المشاهد السردية وتحويلها الى صور بصرية كان لها تأثير في تطوير الجو النفسي للعرض .
لم تكن فرضية المكان واضحة المعالم في بنية النص ذلك أن المؤلف ترك هذا الخيار لرؤيا المخرج الذي بدا مدركاً لصياغة مكان العرض سينوغرافيا فعلى الرغم من ان النص لم يكن يعبر عن البيئة بدقه واضحه الا أن المخرج ومن خلال السينوغرافيا التي انشئها للعرض استطاع أن ينقل لنا بيئة المقابر بصوره داله ومقاربه .
اما المستوى الافتراضي لفضاء العرض كانت هناك ثلاث مهيمنات ومن لحظة إنطلاق العرض كانت هناك صور بحجم الانسان الطبيعي استخدم فيها المخرج تقنية خيال الظل للوجود المفترض وقد توشحت هذه الصور بشريط الموت الاسود، الذي رافقت انطلاقه اغنيه دينيه تذكر المتلقين بالموت والقبر للمطرب التونسي ( لطفي بوشناق) بأداء ديني رافقه الجلال الصوتي، وجاء صوت الصافرة ليخترق صمت بداية وانطلاق العرض وكأنها صافرة الزمن المتوقف ( ستوب كادر)، وليعيد لهم الحياة فضلا عن انطلاق صافرة التي كانت تشير الى وجود تعداد صباحي وربما هناك لعبة مسرحية سيلعبها الممثلون ،وما عملية رفع الشريط الاسود من الصور الثلاث تؤكد انطلاق احداث لعرض انتهاكات .
يستدعي المخرج كما المؤلف من ساحة العرضات في الجيش فكرة التعداد الصباحي ليوظفها بكل ما فيها من نظام واوامر وافكار ومن استخدامات مجحفة تجاه شخصية الجندي لما كانت تعيشه هذه في حياتها قبل الموت وبعده ، فالشخصيات (الضابط ونائب العريف) مارست عملية التسلط تجاه الجندي بحجة القانون وانضباط التدريب هنا شكلت عملية التعداد الصباحي المعروفه في الجيش ومفرداتها ( الموجود – الاستخدام –الغياب – المجازين – الموجود الفعلي ) مفردات ذات بعد فكري يخلق اسئله متعددة منها ماهو الموجود ؟
إذا كانت السلطة تعنى قوة التأثير في الآخر من خلال إصدار فعل الأمر وتنفيذه بموجب العلاقة القائمة بين أطراف السلطة التي يقبلها جميعهم بمحض إرادتهم فإن التسلط هو نقيض للسلطة ونفي لها ، وهو ظهور لمبدأ القوة المعلن القائم على القسر والإكراه الذي يستند على الإفراط في ممارسة السلطة وإلغاء حق الفرد الشرعي في الحصول على مكاسب السلطة واحترامها حتى وان كانت في الموت. فالنسق التواصلي الذي يتشكل من علاقة المخرج بالممثل لندخل الى نسق آخر يفرضه الممثل على الشخصية وهذا النسق هو نسق دلالي تخيلي يقع بين الشخصية بوصفها كائن من افتراض المؤلف والممثل بوصفه العلامة الكبرى في العرض المسرحي، وتبدأ الممارسات التسلطية من قبل شخصية نائب العريف حتى ما بعد الموت وهذا التسلط يحاول من خلاله امتهان كرامة الانسان بأسم السلطة واستخدام فعل التسلط وفي لحظة الصراع ما بين الرئيس والمرؤوس ،وتنتهي اللعبة المسرحية بتقديم الموجود اليومي بعد ان يقرر الجندي مغادره هذا الواقع للبحث عن واقع اكثر نقاءا حيث نجد الموجود الصباحي قد اعلن عنه قد اصبح صفرا .
اما على المستوى الادائي للشخصيات فقد تفاوت الاداء بين الشخصيات المشاركة في مما جعل هناك هيمنه لشخصية النائب عريف في التلوين الصوتي وامكانيه جسديه جعلته يتحرك داخل مساحة العرض برشاقة متقنه في حين كانت الشخصيات ( الضابط ، الجندي ) برغم محاولتها اثبات وجودها الادائي لكنها بقت مؤطره بالكلائشيه الأدائية منها الضحكات التي تكررت اكثر من مره . لكن نجد محاولات جهودهم الأدائية لخلق ايقاع للعرض من خلال التنوع الصوتي لكن الايقاع بقي رتيبا
وكان دور الإضاءة المسرحية الذي نفسه كانت له السينوغرافيا (مجباس الجميلي) محدود ربما لعدم وجود اجهزة اضاءه كافيه او التركيز على الاداء والديكور وابقاء وظيفة الإضاءة هو لكشف المكان والشخصيات فقط . ونؤشر على فولدر العرض الذي كان انيقا لم يحدد وظائف العاملين بالمسرحية بدقه وكان هناك تداخل في هذه الوظائف فالممثلين الثلاثة كان لابد من الإشارة الى اسمائهم وذكر شخصياتهم، كما وجدنا السينوغرافيا والديكور قد انجزت من قبل احمد ابراهيم واحمد عكاب واما الموسيقى فقد كانت تصميما وتنفيذا لكل من وسام صالح وزيدون موسى. اما الديكور فقد كان تصميما وتنفيذا من قبل احمد ابراهيم واحمد عكاب
حاول كادر المسرحية بجهود ومثابره ايقاظ قيمة الوفاء التي ضاعت في زحمة الحياة المتسارعة التي نعيشها والتي يؤطرها هذا اللهاث الرقمي، فقدموا انتهاكات الاخر بشكل درامي .