علاء المفرجي
واذا كانت جميع الاضافات التقنية التي دخلت السينما، وهي تعزيز واضافة للحلقات الكثيرة التي تسهم في صناعة الفيلم، فان دخول التكنولوجيا الرقمية يختزل الكثير من مراحل صناعة الفيلم، بل يهمش الكثير من المواهب التي تسهم في هذه الصناعة، وربما هذا هو السبب الاهم في هذا الاعتراض..
على الرغم مما توفره هذه التكنولوجيا من التكاليف والاستخدامات (المواد الخام والتحميض والطبع وغيرها) وهي الموانع الحقيقية التي تقف في وجه صناعة فيلم بتكاليف اقل، خاصة مع موجة افلام الانتاج الباهظ التي طغت على الانتاج السينمائي في العقدين الاخيرين.
وبعد اكثر من عشرين عاما على دخول الديجيتال مجال الصناعة السينمائية بدأ الحديث عن نشوء جيل كامل من عباقرة المؤثرات الرقمية البصرية خاصة في هوليوود.
ولم يعد الامر قاصرا على صناعة اللقطة، والمؤثر البصري، بل تعداه الى صناعة (الممثل الحلم) ونعني الشخصية التي يتوافر لها اجمل الملامح على الاطلاق ولا غرابة في ان تدفع الشركات الكبرى مبالغ ضخمة لمثل هذا الممثل المخترع، وامتد الامر الى طريقة العرض وحتى التوزيع والذي سيؤدي الى قواعد جديدة ومختلفة في اليات العرض والتوزيع يقطف ثمارها المشاهد.. وهو امر حدث فعلا وان بنطاق محدود في الوقت الحاضر بسبب الكلفة العالة.
ولعل ابرز شاهد على اقتحام هذه التكنولوجيا مجال الصناعة الفيلمية وانتشارها السريع هو تخصيص اكاديمية العلوم والفنون المنظمة لجوائز الاوسكار جائزة لخبراء هذه التقنية والذين لم يعد وجودهم استثناء في تحضير الفيلم.. وهو تعديل لم تقدم عليه الاكاديمية منذ اكثر من خمسين عاما، مما يؤكد حقيقة ان هذا الزائر جاء ليبقى ويسود.
فليس غريبا ان يتواجد الان خبراء الكرافيك والكومبيوتر جنبا الى جنب مع المخرجين والفنيين التقليديين.
وتاريخيا فان دخول المؤثر الرقمي كان مع فيلم (حرب الكواكب) للمخرج جورج لوكاس والذي دخل فيه الكومبيوتر لاول مرة كصانع حقيقي مع الكاميرا.. وكان هذا الحضور بشكل واضح من جزءي الفيلم الاخيرين. ثم جاء فيلم (ستار تريك) الذي ادخل فيه الكومبيوتر اشياء مختلفة، وهكذا مع فيلم (the abyss) لجيمس كاميرون. ثم مع فيلم الاطفال (كاسبر) الا ان الوقع المؤثر والكبير كان مع فيلم المخرج ستيفن سيليبرغ (الحديقة الجوراسية) بدقة عالية امام الكاميرا. وهذا الفيلم وبرأي الكثير من المعنيين قد اعلن بشكل واضح عن دخول صناعة الفيلم مرحلة جديدة كرسها فيما بعد فيلم المخرج روبرت زيميكس (فورست غامب) الذي يعد احد الشواخص المهمة في تاريخ السينما.. انجز الكومبيوتر ما يقارب ربع وقت الفيلم.. وقد شاهد متابعوه لاول مرة لقطة مركبة تظن بطل الفيلم توم هانكس وهو يصافح الرئيس كينيدي بلقطة حقيقية على الرغم من الفاصلة الزمنية بين الاثنين وهو الامر الذي اكد حقيقة ان السينما تستطيع ان تحيل الوهم الى حقيقة.
ومع مرور ما يقارب من اربعة عقود على دخول هذه التكنولجيا وتكريسها كمنجز تقني في صناعة الفيلم تبرز الكثر من الاعتراضات.. فالمخرج الكبير بريان دي بالما يرى (ان الاسلوب ابتكره هؤلاء الذين ليس لديهم خيار آخر بسبب الكلفة العالية) فيما تذهب المخرجة كارين كوساما ابعد من ذلك بقولها: (طالما انهناك معملا على الارض يصنع الافلام التقليدية فسوف اعمل به) والسؤال هل ستختفي العلمية الكيميائية في صناعة الفيلم مرة والى الابد؟!
اما ما حققته التكنولوجيا الرقمية من دخول ساحق في كل مفاصل العملية السينمائية ربما يكون الجواب بالايجاب.. ونظرة سريعة للافلام التي استخدمت هذه التقنية وما حققته من نجاح وايرادات عالية مثل (هاري بوتر) و(ملك الخواتم) وغيرها يؤكد ان هذا الوافد الجديد في الصنعة السينمائية جاء ليبقى رغم انف المعترضين، بل ان نظرة متفحصة لتاريخ هذا الفن وصناعته يؤكد ان دخول هذه التقنية يشكل لحظة حاسمة. لا تقل اثرا عن دخول تقنية الصوت نهاية عشرينات القرن الماضي وما احدثته من تطور في هذا الفن.
ولعل الاثر الاهم للتقنية الجديدة في الصنعة السينمائية انها غيرت بشكل جذري طريقة الصنعة نفسها، فلم تعد صناعة الفيلم رهنا بمراحل متسلسلة تستنزف وقتا وجهدا وكلفة عالية، حيث اصبح العمل يتم في اكثر من مفصل في وقت واحد.
هذا فضلا عن الفرص المتاحة في التعبير وطرق الموضوعات التي كانت في السابق مجرد احلام لصناعة الافلام.