حنون مجيد
الأصبع
الورقة البيضاء مبسوطة، ومخدة الحبر طرية، والأصابع العشرة جاهزة..
ضغطتْ الأصابع على مخدة الحبر، وبصمتْ على الورقة البيضاء فانطبعت صورها الظليلة هناك، إلاّ إصبعاً ظل قائماً وحده ينتظر اليوم الذي إن ندم فيه صاحبه، عضه أو بتره.
الناسك
فجراً يغادر صومعته على الجبل نحو النبع.
هناك يشرب الماء أولاً ثم يغتسل من بعد، ويصلي.
على خطوه، يستيقظ الراقدون من رقادهم، ولو كنت مكانهم لسألته عن دورق ماء لسقي زهوري، إلاّ أنهم كانوا يسألون : " إلى أين يمضي هذا اللص"؟
بطيخ
يلقى الرجل "المسكور" نظرة على حفيدته تلتهم قطعاً من البطيخ في صحن.
يحدث نفسه؛
لا في طفولتنا شبعنا من البطيخ ولا مسموح لنا تناوله الان..
تساله حفيدته؛
ماذا تقول جدو، مع من تتكلم؟
يفزّ الرجل على سؤال حفيدته:
لا شيء جدو.. أتكلم مع البطيخ.
الأصدقاء
في نقطة على الشارع العام وقد اصطف الناس على الرصيفين، ارتفقت فتاة ذراع صديقها الفتى بينا ارتفق هو ذراعها الآخر وجعلا يرقصان.
كانت تتطوى بين يديه بفتنة طاغية، وتهتز وتدور على ذراعيه، بين ابتعاد واقتراب واقتراب وابتعاد، في رقص يتذاوب على موسيقى راقصة هي الأخرى، ولا شيء يحيط بهما سوى ذلك الخيال الخلاب الذي مضيا يسبحان فيه.
في الوقت نفسه كان على نقطة من الرصيف القريب، مجموعة من فتيان أصدقاء ملتمين على بعضهم يتحدثون بحرارة، عما يبدو أثيراً على نفوسهم من دون أن يولوا الرقصة والراقصيْن أي اهتمام..
انتهت الرقصة والتحم الراقصان وقبّل كل منهما الآخر مع تواصل التصفيق، والأصدقاء السعداء لم ينتهوا ولا أظنهم قد ينتهون
رسالة مبهمة
لا بأس أن أبكر عليك هذا الصباح،
أحييكِ واقبّل خديكِ.
أقودك إلى الحمام،
آتيك بملابسك الجديدة،
وأغلق الباب!
وضع الأسد
عندما تُخدّر الأسد لتعالج المريض من أسنانه، ثم تطلقه وشأنه في الغاب، لا يمنعه ذلك من تفحص جسدك بأسنان سليمة من صنع أناملك.. إذْ يلتقيكَ هناك.
الفراشة... قصة تجريبية.
أجواؤها مستقاة من قصيدة لسعدي يوسف بعنوان " الأميرة" كذلك الكلمات المقوسة.
برشاقتها المعهودة وذبذبة جناحيها،
دخلت مقهى المعقدين.
هناك على منضدة فارغة وحيدة حلّت وجناحاها لم تسكنا بعد..
هالها سكون المعقدين وأجواء مقهاهم المعلقة بالضباب وبالدخان..
كادت تنتقل إلى أحدهم وتحط على شفتيه؛ تقول له؛
"أنت حبي،
حبيبي".
غير أنها وجدته أشدّ المعقدين عتمةً؛
في فمه سيجارة مُرّة، وبين أصابعه شاي كالقطران.
"ومثل الأميرة؛
في لحظةٍ
وبكل مهابتها
تنحني
وتطير".
تحولات خلف النافذة
يقف العجوز خلف نافذته القديمة، متطلعاً إلى عشب حديقته مغموراً بالثلج.
يرتعش جسده ويبرد كما لو تمر عليه عاصفة برد.
يعود إلى كرسيه الخشب يجلس عليه ويتابع انطفاء سيجارته على منضدته،
ويفكر أن عشب حديقته سيبقى لابثاً على حاله هناك حتى الربيع القادم، ليعود، من جديد، منبثقاً إلى الحياة.
يتقدم من مدفأته يسقيها زيتاً ويطلق في أحشائها النار.
ذلك الاستقبال
لا يعرف عدد العقود التي مرت على ذلك اليوم، ثلاثة، أربعة، أو حتى خمسة.
لكنهم كانوا هناك في تجمع حميمي أمام نادي المعلمين قرب سدة الكوت؛ ينتظرون قدوم المعلم الجديد.
دون الآخرين وعلى بُعدِ عدد من الخطوات، يتقدم منه مستقبلاً كأنه أخ شقيق، ليبصم في قلبه مذ ذاك محبة لا تزول؟
كان الصباح على السدة آنذاك جلياً باهراً، وما يزال على ذلك حتى اليوم.
سقوط أخيل
شنت الحرب وتتالت على جسد أخيل النبال ولم تنل منه.
رامٍ حاذقٌ رأى تساقط السهام من على صدره وذراعيه، تساقط الريش من على جسد نسر عظيم، فسدد سهمه نحو إحدى قدميه فأصاب نقطة من كعبه، سقط إثرها أخيل مرمياً على الأرض.
عند ذاك توالى سقوط الأبطال؛ أخيل وراء أخيل....