علاء المفرجي
صدر حديثا كتاب لقيس الزبيدي بعنوان (نبيل المالح.. العين الثالثة) والكتاب شغف بإبداع نبيل المالح المخرج السوري الراحل،
والكتاب لم يكن عن سيرة الرجل ولا عن قراءة الزبيدي وهو الذي رافقه سنوات طويلة في عشق السينما، بل إعداد وتحرير، وكأن الزبيدي هنا يحتفي بصديقه ورفيقه بعد رحيله، فقد جمع في الكتاب سيرة المالح وكل ما كتب عنه النقاد، بل وكلمات الرثاء التي قيلت فيه، إضافة الى ذلك فقد تضمن الكتاب استعراض لمنجزه الفيلمي والحوارات التي أجريت معه..
فالكتاب إذن كلمة الرثاء الأخيرة لقيس الزبيدي بحق صديقه الذي قضى معه شطرا من الزمن.
يختار قيس الزبيدي في مقدمة الكتاب، مقالة الناقد الراحل بشار ابراهيم المعنونة (نبيل المالح.. رائد في الثقافة السورية الحديثة) كتب فيه: «التنوع والغنى، وهذه المرونة والقابلية للتطور، سمات أساسية لدى نبيل المالح، شخصيا ومهنيا، وهي استعدادات أولية، اتكأ عليها ليكون، بهدوء وصمت ظاهريين، وغليان وصخب داخليين، أحد أبرز رواد الثقافة السورية الحديثة.»
ثم يلجأ في الفصل الاول للكتاب بالحديث عن افلام نبيل المالح من خلال عيون عدد من النقاد، فالناقد محمد رضا تحدث عن (بقايا صور) قائلا: أنه ينتقل طوال ساعتين ساحبا معه خطاً روائيا سليما، يدور حول العائلة التي كان تجبرها ظروف الفقر والحلات الاجتماعية والسياسية في فترة من بداية هذا لقرن»، فيما كتب عدنان مدانات عن فيلمين للمالح هما (الفهد) و(الكومبارس) .. وكتب أمير العمري عن فيلم (الكومبارس): «يعالج المالح في الكومبارس موضوع القهر الاجتماعي والسياسي، من خلال علاقة عاطفية بين رجل وامرأة في دمشق.» ويتناول الناقد ناجح حسن فيلم (السيد التقدمي).
في الفصل الثاني من الكتاب المعنون (الرحيل) اختار الزبيدي مجموعة من كلمات الرثاء للاصدقاء والذين عرفوا نبيل المالح من السينمائيين والمثقفين.. فيكتب سمير فريد: «تابعت مسيرة نبيل المالح منذ أن شاهدت أفلامه القصيرة الاولى في أولى زياراتي الى دمشق عام 1970.» اما الناقد كمال رمزي فقال: دائما في عجلة من أمره، لا أراه إلا متسارع الخطى يتحدث بإنتشاء عن مشاريعه القادمة.»
وأشار ناشر الكتاب أن الكتاب يضم بين دفّتيه مسيرة مخرج - فنان طليعي اختار على مدى عقود أن يضع، كما يقال، سينما عربية، وهي على مفترق طرق، على خارطة السينما في العالم. مسيرة واجهت عقبات إنتاجية وصعوبات شديدة في مراحل تحقيقها المستمرة. وكما يبدو من شهادات أهم نقاد السينما، التي تبين، بعد غياب الفنان نبيل المالح أولاً عن السينما لعقود وبعد أن توقفت مسيرته الفنية والفكرية الإبداعية من كل الجوانب، تبين أنه حقق نجاحا حقيقيا في بعض الأفلام وأخفق في تحقيق سيناريوهات أفلام أخرى تعرضت للعقاب مرة هنا وأخرى هناك!
لم يكن لشغف السينما الإبداعي المهيمن على مساعي الفنان نبيل المالح أن يستمر لا في وطنه سوريا ولا في غيرها من مدن منفاه ألقسري. غير أنه قدم موديلاً لفيلم بديل عما هو سائد، ونجح في إن يلهم جيلاً من صناع الأفلام لينجزوا مهمة السينما البديلة، والذين واجهوا أيضا في الغالب عقبات لا تحصى: ذلكم هو قدر سينما عربية أرادت ولمّا تزل تحاول أن تضع بصمتها على خارطة السينما العالمية. ومع أن نبيل المالح صنع فيلمه الروائي الأول القصير «إكليل الشوك» حول قضية الشعب الفلسطيني، وصنع فيلمه الثاني متوسط الطول «مخاض» أيضا عن القضية الفلسطينية، إلا أنه أراد أن يشغل نفسه بصنع أفلام عن قضايا ومشاكل الوطن: أفلام كـ«الفهد» و«السيد التقدمي»، وفيلمه ما قبل الأخير «كومبارس» الذي بيّن فيه مشاكل مجتمعه الدمشقي، وعبر بشكل مبتكر عن كيف يمكن للسينمائي التعبيرعن «ماذا» الاجتماعي.
إشكالية إبداعية الـ «ماذا» و«الكيف» كانت شغف نبيل المالح: كيف نصنع سينما بديلة، تحقق لنا مكاناً في السينما الفنية والفكرية على خارطة السينما العالمية؟ يا لها من مسيرة ويا له من هدف جليل جعل الفنان النبيل منارة فنية وثقافية تضيء الطريق أمام أجيال من السينمائيين: لاحقهم وسيلاحقهم العقاب، ولابد لهم يوماً ما أن يحققوا مسعى وشغف الفنان نبيل المالح الإبداعي ومن هنا أتى ويأتي خلوده.
كتبت ابنته ايبلا في رثاء رحيله:»علمتنا الطيران قبل أن نستطيع المشي»، كان الطيران هواية نبيل في الحياة وكان يصيب من يحب بالعدوى بهذه الهواية.