ترجمة: احمد الزبيدي
صدرت بداية هذا الشهر (أب 2021) رواية بعنوان “الرئيس والضفدع” مستوحاة من حياة خوسيه موخيكا ،
الرئيس السابق لأوروغواي والمشهور بأسلوب حياته المتواضع وقيادته لسيارته الفولكس فاغن ،الرواية من تأليف كارولينا دي روبرتس وهي روائية من الاوروغواي ايضا
وقصة خوسيه موخيكا ،الذي اصبح رئيسا للأوروغواي للفترة من 2010 إلى 2015 ، هي قصة مصالحة سياسية غير عادية. كان موخيكا زعيمًا للمنظمة الماركسية المسلحة المعروفة باسم توباماروس ، الذين كان اعضائها موضع إعجاب من مواطنيهم لألتزامهم الأيديولوجي لكنهم توهموا بأنهم سيكونون في طليعة حركة التغيير في البلاد: وقد اعتقدوا أن بياناتهم الثورية الراديكالية وبطولاتهم الشبيهة باعمال روبن هود ستثير انتفاضة شعبية من شأنها أن تؤدي إلى الإطاحة بالحكومة القائمة وبناء أوروغواي جديدة.
في أواخر الستينيات ، عندما كانت منظمة توباماروس مثالًا للهدوء الثوري ، بدت استراتيجيتها ناجحة. ولكن بحلول عام 1970 قامت الحكومة بملاحقة اعضاء المنظمة واغتيالهم. و الذين ردوا بالمثل وتبع ذلك حدوث دوامة من اعمال العنف. تم إطلاق النار على موخيكا ست مرات من قبل الشرطة قبل أن يتمكنوا من اعتقاله. بعد ثلاث سنوات استولى الجيش على السلطة ، وأطلق العنان لإرهاب الدولة على السكان. لم يتم إطلاق سراح موخيكا من السجن الا بنهاية حقبة الديكتاتورية ، في عام 1985. دخل موخيكا في عالم السياسة وبعد 25 عامًا ، وبعد أن سحر البلاد بأسلوبه المتواضع في العيش وأسلوب حملته الانتخابية العفوية ، تم انتخابه ليصبح الرئيس الاربعين للبلاد.
الشخصية الرئيسية في الرواية الخامسة لكارولينا دي روبرتس ، “الرئيس والضفدع” ، هي نسخة مستترة رقيقة لهذا الرجل غير العادي. عندما قررت دي روبرتس كتابة القصة ، كانت تعرف ببساطة انها تتحدث عن “الرئيس السابق”: رجل متقاعد وفي الثمانينيات من عمره ، يعيش بهدوء في مزرعة زوجته الصغيرة. لكنه لا يزال من المشاهير العالميين - بسبب أسلوب حياته عدا عن السياسات التقدمية المذهلة نسبيًا التي أصدرها حينما كان في منصبه. وقد عاش ظروف حياة متواضعة لدرجة أنها تكاد تكون شكلاً من أشكال التفاخر. فحين كان رئيسا للدولة ، رفض الإقامة في القصر الرئاسي وفضل استخدام سيارته الفولكس فاغن على سيارة الليموزين السوداء المعتادة. تبدأ الرواية بوصول صحفي نرويجي شاب لمقابلته ، وهو أحد المراسلين العديدين الذين استضافهم منذ مغادرته منصبه ؛حين حاز بجدارة لقب “أفقر رئيس في العالم”.
يكمن سر رواية “الرئيس والضفدع” في تعريفنا بالطريقة التي نجا فيها بطل الرواية من 13 عامًا من التعذيب والاستجواب والحبس الانفرادي قبل وصوله إلى منصب الرئيس، وهي قصة لم يكشف عن اسرارهها بالكامل. كان هناك شيء ما في هذا النرويجي يجعله يتعاطف معه ، و “لدهشته المطلقة” ، “شعر أن الماضي يرتفع بداخله بمد هائل ...ليكشف عن ذلك السر المغلق ،و تلك القصة التي لم يتناولها أحد منذ 40 عامًا.” لن يخبر موخيكا الصحفي بالقصة ، لكنه سيخبرنا نحن القراء.فبعد الشروع في المقابلة الصحفية ، نلتقي مع محادثة مزدوجة: محادثة مباشرة مع الصحفي الذي يقوم بإجراء المقابلة ومحادثة صامتة يتحدث فيها موخيكا مع نفسه.
وتمثل تلك المحادثة الصامتة جوهر (وروح) الرواية. كان الرئيس محبوسًا في قاع بئر ، يعيش وسط التراب ، بلا مرحاض ، ووجباته الهزيلة تُنزل إليه في دلو. وكانت الحركة الثورية في حالة يرثى لها والدكتاتورية القاسية متشبثة بالسلطة ، كان يعتقد أن الخلاص مستحيل: “كان الأمل هو الجلد الذي تم سلخه».
يتحدث موخيكا بصراحة عن فقدانه لحواسه العقلية في تلك الظروف الصعبة – فكان يعاني من الاضطرابات العقلية والهلوسة السمعية الاي كانت تأتيه في عذاب متسارع. تتخيله المؤلفة دي روبرتس وهو يعاني من ذلك الذهان ، ويعيد تجميع شتات عقله بشق الأنفس من خلال سلسلة من الاحاديث مع ضفدع. على الرغم من أن السجين لا يتعرف على الأمر على هذا النحو ، فإن الضفدع هو جانب من جوانب نفسه ، يجذبه نحو الذاكرة ، وهو يبحث عن منطقة من الدفء واللطف ، إذا كان بإمكانه احتضانها بإحكام كافٍ ، فسوف يسمح له بالتحمل.
تصف المؤلفة دي روبرتس نفسها بأنها أميركية من أصل أوروغواني ، وشعورها عميق تجاه هذا البلد. لكن إعجابها ببطلها مطلق للغاية لدرجة أنها في بعض الأحيان تختزله في مجموعة من المُثُل التي لا يمكن تعويضها ، وتتكرر في روايتها عظاته حول الاهتمام فقط برفاهية “الشعب.
ومع كل ذلك ، فهي رواية مؤثرة ومحسوسة بعمق ، لا سيما في لقاءات الرئيس المؤلمة (والمضحكة أحيانًا) مع ضفدع الشفاء الغريب. تدعونا المؤلفة دي روبرتس بجرأة إلى تخيل كفاح رجل ذو قدرات اسطورية من اجل انتزاع السيطرة على نفسيته المحطمة في ظل أقسى الظروف.
عن النيويورك تايمز