ستار كاووش
(مسرح الغابة سيعرض هذا الموسم مسرحية ماكبث، كم هذا رائعاً، هل أحجز بطاقات لمجموعتنا؟) هكذا فاجئتنا الصديقة يانكا، فرحبنا بالفكرة، لتقترح الصديقة الأخرى هيكا قائلة (مارأيكم أن نستأجر بيتاً خشبياً من بيوت الغابة نقضي فيه بقية الليلة بعد مشاهدة المسرحية ثم نعود في اليوم التالي لمدينتنا؟) ووسط حماسنا وتأييدنا لهذه الفكرة الممتعة،
إتصلت يانكا بالمسرح وحجزت البطاقات الخمس، ولم تمض بضعة دقائق حتى إتصلت هيكا وحجزت بيتاً جميلاً في غابة بمنطقة أبلسخا التي تقع في الطريق للعرض المسرحي الذي يعرض أيضاً في غابة بمنطقة ديفر في الهواء الطلق . توزعت المهمات بسرعة كالعادة. حيث تكفلت هيكا وفيخر بالنبيذ وبعض المقبلات الضرورية التي نحتاجها بعد العودة من العرض، في حين أشارت يانكا بأنها ستهتم بتوفير القهوة وقطع من كعك التفاح، وقد إقترحنا أليس وأنا أن نقوم بإعداد وجبة فاخرة من سمك السلمون والسلاطة، نتناولها في البيت الخشبي قبل العرض بساعة تقريباً، وقد أضفتُ فكرة أخرى، هي أن ننهي سفرتنا الصغيرة بتناول الغداء عندنا في البيت، أي نتوجه في اليوم التالي نحونا مباشرة.
إنطَلَقَتْ سيارتان، الأولى تقودها أليس، نصحبها أنا وفيخر نتبال أطراف الحديث حول المسرحية والتفاصيل التي تتعلق بالسهرة. والسيارة الأخرى تقودها هيكا ومعها يانكا، سيارتان مملوئتان بكل ما يلزمنا من طعام وشراب وأغطية وقهوة والكثير من التفاصيل الأخرى بما فيها أكياس مخصصة للنوم (من النوع الذي يستخدم في المخيمات عادة) والتي ذكرتني بتلك التي كان يستخدمها كولن ولسن أثناء نومه في حدائق لندن.
بعد وصولنا بدقائق انتشرت بسرعة رائحة القهوة التي أحضَرَتْها يانكا داخل البيت، بينما إنشغلنا نحن الأربعة بإدخال الأشياء والحاجات الى الداخل، فوضعتُ أولاً النبيذ الأبيض في الثلاجة مع الأجبان وبقية الطعام، لنأخذ أماكننا بعدها خلف الطاولة الكبيرة (من النوع الذي يوضع في المتنزهات والغابات) التي انتصبت مقابل البيت، وملأتها أكواب القهوة والكعك، لنجلس وسط المكان الساحر الذي تحول في كل شيء الى اللون الأخضر، حتى ضحكاتنا بدت وكأنها قد تشبعت بهذا اللون. مرت ساعة فقمتُ بإحضار السلاطة وسمك السلمون الذي أعددته بطريقة خاصة جداً نالت إستحسان الجميع لحسن الحظ، وقد إكتمل ذلك بأقداح النبيذ الأبيض الملائم دائماً للسمك.
عند حلول المساء حان وقت إنطلاقنا نحو المسرح الذي يبعد نصف ساعة عن هذا السكن الذي يذكرني بالقصص والحكايات الخيالية، وهناك بدأ العرض المدهش لإعجوبة شكسبير، حيث جاب الممثلون في هذا المسرح الصيفي المفتوح على كل الجهات، وهم يقدمون عرضاً إستثنائياً بكل شيء تحت هذه السماء المفتوحة والأشجار التي تحيط بالمكان. وهذه هي السنة الخامسة والسبعون لوجود هذا المسرح الذي تخصص فقط بأعمال شكسبير العظيمة، خمسة وسبعون عاماً دون توقف. الطريف هو قبيل بداية العرض بدقائق دخلت ملكة هولندا السابقة بياتريكس (أم الملك الحالي) لتأخذ مكانها قريباً منا، هذه المرأة المدهشة التي قضت أكثر من ثلاثين سنة ملكة لهولندا تدخل هكذا ببساطة، يصحبها شخص آخر، ليجلسا وسط جمهور المسرح، دون أن يُفَرَّغ لها صف من الكراسي، دخلت كملكة حقيقية وجلست كمتفرج حقيقي، بلا ضجيج أو حراسات أو إرباك للعرض والحاضرين.
تماهى الممثلون مع أجواء المسرحية في هذا المناخ الساحر، حيث لفحتنا رائحة الأشجار التي إمتزجت مع نكهة العرض وجماله الذي يفوق الوصف. وبعد ساعة تقريباً بدأت الإستراحة التي قسمت العرض الى فصلين، عندها فَتَحَتْ هيكا حقيبتها أمامي، لتريني ماذا أحْضَرَتْ معها، لِتُخرِجَ قنينة نبيذ مع بعض الاقداح، كما فعل كل المشاهدين تقريباً، والذين أخرجوا من حقائبهم قناني مختلفة الأشكال والألوان وبعض المقبلات التي أخذو يتبادلون قسماً منها مع بعضهم. وبينما إنشغلت يانكا بتحضير بعض قطع الجبن واللوز وقطع الطعام الصغيرة، أدرتُ وجهي -بخجلي الجنوبي- ونظرتُ الى الملكة التي كانت منشغلة بسعادة بحديث جانبي، وكأني أشكرها في سري على وجودها الذي عكس سهولة الحياة وجمالها في هولندا دون أي تعقيد، ثم أدرتُ وجهي من جديد للمجموعة وأخذتُ رشفة من النبيذ الذي إمتزج مع طعم الجبن ورائحة المكان وعطر الاشجار التي أحاطتنا مثل أم رؤوم.