علي حسين
في مرات كثيرة أحاول أن أتخيل بماذا يفكر المواطن الأوروبي وهو يذهب في الصباح لشراء صحيفة أو البحث عن كتاب جديد، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر وهناك من يهتم بشؤون البيئة أو البحث عن أماكن لقضاء أيام الإجازات،
وهناك نوع من القراء يصرون على تتبع أخبار المشاهير، أو معرفة أنواع جديدة من الزهور يزينون بها الحدائق، وأتخيل القارئ العربي على قلته وهو ضجر من الصحيفة وأخبارها التي لا تحمل إلا وعداً بالخراب، وآمالاً بالخوف والرعب وأحاديث عن الفساد الذي استشرى في كل مكان.. أما القارئ العراقي فهو محاصر بين مطولات عن الإنجاز الكبير الذي تحقق من خلال الديمقراطية العراقية.
ولأنني لا أريد أن أُدخل القارئ في نفق مظلم عن غياب قواعد اللعبة السياسية التي يراد منها إنتاج حالة من الإسفاف، سأتحدث عن الكتب، فقد قرأت ضمن أخبار الكتب والمكتبات أن كتاب "التاو" حقق مبيعات قياسية في العديد من دول أوروبا، والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثيرون من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول.
من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو)، اخترت هذه الحكاية التي تفاجئنا بحداثتها برغم أنّها تعود إلى ما قبل ألفين وأربعمائة عام.
والحكاية تقول:
كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كوؤ" وكان غنياً جداً، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعي "هيانغ" وكان فقيراً جداً. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنياً؟! فقال له "بممارستي السرقة. فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسراً ثم أصبحت من الأعيان، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذاً على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض. فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كوؤ" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوماً شديداً، فسأله "كوؤ"، وقد عقدت الدهشة لسانه:
كيف تصرفت؟
وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كوؤ": لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة، فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الأشياء قبل أن تصل إلى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول إلى أي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته أنا للناس، ماقمت به أنا سرقة عامة لا يعاقب عليها، أما ما قمت به أنت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من أمثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصاً".