طالب عبد العزيز
بقيننا جميعاً، فأن سلطة القانون تراجعت كثيراً، في العقود العراقية الاخيرة، وفرضت القوة ولغة السلاح الامر الواقع في قضايا معقدة داخل مؤسسات الدولة والمجتمع، وصارت سلطة العشيرة والحزب المسلح هي الاقوى، حتى قرأنا عبارات مثل تلك التي كانت ماثلة في شط العرب والتي تقول (الدائرة محروسة برجال عشيرة...)
واستثمرت أكثر من عشيرة ضعف الحكومة فأسقطت أكثر من مبنى حكومي، في أكثر مدينة، وهكذا، فالدولة برمتها وتأمين حياة الناس في خطر دائم، إذا لم تستعد الدولة قوتها، ولم تتمتع بسلطة تنفيذية، ذات عزيمة وقديرة على المواجهة، وإلا فلن تستطيع حماية ما بنته، وانفقت عليه المال، وأعدته ليكون المستقبل.
ظهر الاخ محافظ البصرة في مقطع فيديوي وهو يورد الحجة تلو الاخرى، ليقنع أحد المتجاوزين، الذي بنى مضافة وسط الشارع، في مشهد يكشف جانباً من ضعف السلطة. لم يكن مطلوباً منه شرح قضية كهذه، حيث لا اخلاق هنا. إنما تجاوز معلوم، لذا يجب أن يخضع المتجاوز الى سلطة القانون، وقيام الحكومة بنصحه وارشاده، والتوسل اليه، ومن ثم تعويضه، يجعل من قوانيها خرقة لمسح مؤخرات الاطفال. من قال بأنه من الحكمة التعامل بمثل هذه الطريقة في اقناع الناس بأهمية وجود الحاكم؟ وكيف سيضمن المواطن البسيط حياته وأمنه في ماله وعرضه مع وجود مثل هؤلاء؟ من موجبات السلطة ألّا تتسرب قيم وأعراف العشيرة الى قوانين الدولة.
تطالعنا الكثير من المقاطع الفيديوية التي يتظلم أصحابها فيها، مستنجدين بالمرجعيات الدينية والقضاء، أو باحد مسؤولي الاحزاب، في ظاهرة تكشف عن خواء في التنفيذ، وعن ما يتعرض له المواطن من حيف، وتعسف رجال آخرين، لصوص أو قتلة، باحثاً عن منقذ لحياته وماله. فهذا صاحب شركة للصيرفة تعرض لسرقة أمواله، يشكر الحكومة على تمكنها من القاء القبض على اللصوص، لكنه يتعرض الى ابتزاز ذويهم اليومية، والاغارة عليه بالسلاح، من قبل هؤلاء، الذين يأتونه من محافظة شمال البصرة. ليس من واجب الرجل الاستنجاد بالطريقة المذلة هذه، ولا استنهاض الهمم في المحافظ والشرطة والقضاء، فما هكذا تدار الدولة يا ناس.
لا بد للحكومة، أيِّ حكومة من أن تكون (ظالمة). لكن ظلمها متأت من تطبيقها للقانون، وستتهم بالظلم والجور بكل تاكيد من الخارجين على قانونها، والفصل في ذلك ما قاله الامام علي، بعد توليه أمر المسلمين: ألا إن كلَّ قطيعة أقطعها عثمان، وكل مال أعطاه من بيت مال الله، فهو مردود الى بيت المال، فإن الحق القديم لا يبطله شيء، ولو وجدته وقد تزوج به النساء، وفرّقه في البلدان، ومَلَكِ به الإماء لرددته إلى حاله، فإنَّ في العدل سعةً، ومن ضاق عليه الحقُّ فالجورُ عليه أضّيق. ويفسر المعتزلة هذا بقولهم: إنَّ الوالي إذا ضاق عليه حكمه بالعدل، فهي بالجور أضيق عليه.