علي حسين
كانت قامته الباسقة كشجرة، الوجه الآخر لسيرته الواثقة وقناعاته الراسخة وإيمانه العميق بالنهايات المنتصرة لقيم التغيير والثورة والعدالة الاجتماعية، لذلك كان كامل شياع ينظر باستخفاف لتلك الأخطار التي نبهها إليه بعض الاصدقاء المتمثلة في الظهور العلني والسافر لقوى الظلام التي ظل يؤكد ضرورة محاربتها لأن الحياة مع المستقبل.
لقد أدرك كامل شياع الذي تمر هذه الايام ذكرى استشهاده ، على نحو مبكر أننا يجب أن نعيش عصر المستقبل، كان الإيمان بالمستقبل يتخلق تدريجياً في وعي كامل شياع وبسبب شغفه بقضايا الناس التي كان يريد من خلالها الوصول إلى عالم جديد. المرة الأخيرة التي شاهدت فيها كامل شياع كانت في خميس قضيناه بقاعة حوار بصحبة بعض الأصدقاء وكان وجهه مفعماً بالحيوية وروحه المرحة ولسانه لا يكف عن التقاط الأفكار، تحدث عن مشروعاته وعن الخير الذي ينتظر البلاد في حال إيمان ساستها بالمستقبل، هذا المستقبل الذي لا يمكن بناؤه بأفكار معاد تصنيعها من منتجات الماضي. وللأسف النسبة الأكبر من قوانا السياسية ما زالت مشدودة للماضي، وغير قادرة على إدراك أن المستقبل، بالنسبة لنا، أهم من الماضي. كان يدرك بأن قيمة الحياة في المستقبل، المستقبل الذي دفع من أجله أجمل سني حياته مشرداً من منفى إلى منفى، فقد عاش كامل شياع مثل كل المثقفين الأحرار مرارة المنفى، حين كُتب عليه أن يتنقل من بلد إلى بلد، متوارياً عن أجهزة القمع وقسوة الاضطهاد، مكتوباً عليه أن يكفر عن "جريمة " التفكير الحر . ولأن الوطن، لم يكن بالنسبة لكامل شياع، وطناً ترسمه ذكريات وأحداث، ولا هو وطن، تحدده سياسات ومبادئ، وإنما الوطن كان بالنسبة له مغامرة، مغامرة ليست فقط في العيش في بلاد هي الأخطر وإنما في بلاد هي العشق، العشق الذي يحتم علينا أن نبني هذه الأرض ونصنع وجدانها وقيمها.هذه هي المغامرة التي قدم كامل شياع حياته قرباناً لها. يكتب في واحدة من رسائله إلى ابنه: "بين جسر باب المعظم وجسر الشهداء تمتدعلى جانب الرصافة بغداد القديمة. تحت ظلالها الأنيسة سنجلس يوماً لنسمع دقات ساعة القشلة، ونراقب اللقالق تحرس أعشاشها، ونتحسس حجارة مبانيها الصفراء. وتحت وهج الشمس البيضاء سنخطو نحو دجلة المتعب، المتأجج ابداً...... حينها سندرك سرّ بغداد من دون صورة أو خبر". باستشهاد كامل شياع أدركنا نحن، محبوه، بأن بغداد ظلت راسخة في قلبه ، فهي الأمل بعالم جديد ، أمل يأتي احيانا عبر تساقط الشهداء الذين يؤذنون بفجر جديد والذين وصفهم بلند الحيدري بقوله: بغداد من قال بأن القتلى من أجلك ماتوا؟.. سيجيئون غداً وسنعرف فيهم كل شموع الأعياد.
جميع التعليقات 2
Khalidmuften
رحم الله كامل شياع حيث الشرفاء والاحرار تحت الثرى والفاسدين والسراق يشمون هواء العراق .
شذى
الله ياأستاذ علي, لقد طال الانتظار وكثر الشهداء ومازلنا نامل بعالم جديد