عمـار سـاطع
يحقُّ لمدربي كرة القدم أن يصلوا الى مبتغاهم في قيادة فريقهم الى تحقيق الانتصارات وصولاً الى أفضل المراكز والمواقع، مثلما يحقُّ للمدربين أن يُظهِروا امكانياتهم وما يملكون من خبرات تراكمية، عليهم أن يفهموا أن أمكنتهم التدريبية قد تتبدّل، وربّما تتغيّر، إذ أن الموقع التدريبي غير قابل للاستقرار، حتى في حالة تواجدهم في تسلسل متقدّم مع فرقهم وتسجيلهم النجاحات!
عندنا في العراق.. قد يترك المدرب عملهُ حتى وإن كان في قمّة الترتيب مع فريقه، وقد حصل ذلك الأمر لأكثر من مرّة في دورينا على مدى المواسم العشرة المنصرمة.. إذ ان سقف الطموحات قد يتعدّى حدود الواقع، ويزيد عن المنطق بكثير.. وعند المدربين فإن الحِفاظ على العمل أفرض في الكثير من الأحيان عن الذي يمنحهُ لفريقه حيث الارتقاء في المستوى وتمكينه بالشكل الذي يجعله فريقه من بين الأفضل على مدار الموسم!
ولأن الاستقرار مفقود تماماً، عند إدارات أنديتنا وهو ما ينسحب فيما بعد على الأجهزة الفنية، ومن ثم اللاعبين وبالنتيجة الى ما تحقّقه الفريق من خلاصة مشاركتها في المنافسات، وهو ما قد يؤدّي الى ظهور التفاوت الحاصل من فريق الى فريق آخر، من دون المرور بالأدوار الصحيحة والمنطقية التي يفترض بها أن تأخذ مجراها، وعليه فإن ما يحدث عندنا هو خارج الحسابات الواقعية!
نعم.. الاستقرار الذي أتحدّث عنه، يعتمد على حجم الامكانية المالية التي يفترض أن تكون سنداً وعوناً له إذ تمنحه مساحات من الفرص في جلب الأفضل واختزال المشاكل والارهاصات التي قد تواجه الفريق وتُقلّص مما قد يعانيه على مدار الموسم الكروي، فإن أهداف المدربين وستراتيجية البناء الفعلي، تتلاشى أمام ما يحدث من تناقضات تفرض نفسها بقوة في كلِّ حين لما يحدث من غياب للرؤية الصحيحة وضياع للنظام وعدم تحديد الأهداف مسبقاً!
وهنا أجد من الضروري جداً القول بأن يكون شعار التخوّف ملغياً وربما مشطوباً تماماً من سجلات الفكر التدريبي الذي يعمل عليه مدربي فرق دوري الكرة الممتاز، شريطة أن يكون أسلوب النزعة الهجومية حاضراً على حساب التكتيك الدفاعي أو النظام الدفاعي الذي تتبعه كل الفرق، من أجل إثبات حضورها وزيادة المُتعة في اللعب ومنح المواجهات إثارة أكثر من الذي نشاهده من صيام عن التهديف وعقم في خط المقدمة وتخوف وارباك سيطر على المفردات التدريبية والعقلية الفنية التي ترفض المجازفة أصلاً، بل تُنهي عن الطريقة الهجومية التي غادرتنا بسبب قلّة المهاجمين وندرة الهدّافين!
أجل.. يحدث كل ذلك بسبب الثقافة الدفاعية التي بلغت ذروتها وأصبحت عرفاً تسير عليه الفرق والمدربين، أملاً في عدم الخوض بتفاصيل الخسارة التي قد تحدث وتُربك كل شيء، وتقضي على فترة تدريبية لمدرب عمل وأجتهد، لكنه بالنتيجة خرج بقرار من الإدارة بُعيدَ خسارة أو خسارتين.. والنتيجة أن المدرّبين يبحثون عن عدم الخسارة قبل التفكير بمنطق الفوز، وهو ما ينتهي في نهاية الأمر الى مستويات هزيلة وأداء ركيك وطرق لعب مُعقّدة وخوض مباريات مغلقة!
وهنا لابد من القول أنني لا أنكر تماماً الصعوبات التي تعترض عمل الأجهزة الفنية وتقف عائقاً أمام الطموحات التي يملكها الكثير من المدربين، غير أن التأسيس الصحيح للاعبي الفئات العمرية، انتزع منهم خصال اللعب الهجومي، لأن التخوّفات المسبقة من الخسارة قَتَلت عندهم طموحات تحقيق الفوز، باستثناء الفوارق التي قد تحدث بين امكانيات هذا الفريق أو ذاك، وهو ما أوصلنا الى احصائيات مفاجأة وأرقام متدنّية ومعدلات هابطة من الأهداف بعد جولتين من انطلاق الموسم الكروي الجديد!
المنطق الذي يفترض أن نعرفهُ هو أن سلاح بقاء المدربين في مواقعهم التدريبية، غير قابلة للاستقرار، مثلما لا يمكن لأي مدرب كائن من كان أن يبقى في عمله لفترة طويلة، إلا بالاستثناءات التي نعرفها ويعرفها الكثير من محبّي كرة القدم.. وعليه يُفترض بالمدربين أيّاً كانت اسماءهم، أن يحدّدوا أهداف استمرارهم في مناصبهم بحثاً عن الفوز أولاً بدلاً من التفكير بعدم الخسارة.. وأن يترك كل مدرّب بصمته التنافسيّة مع من سبقهُ أو مع من سيخلفهُ في العمل الفني، لِتحدُثَ فيما بعد المقارنة الأصح والأصلح بحيادية حتى يعرف كل مدرّب قيمته الفعليّة فنيّاً!
أخيراً.. أدعو كافة مدرّبي فرق دوري الكرة الممتاز الى تغيير واقع عملهم، بالبحث عن أساليب تطويرية للعب الهجومي وطرق اللعب الأنجع وصولاً الى تسجيل الأهداف.. فالأهداف ملح المباريات وهو ما يصبُّ في نهاية الأمر في صالح منتخباتنا الوطنية التي تعاني من الأمرّين، بل تواجه مشكلة شحّة الهدّافين وقلّة صُنَّاع الأهداف!