طالب عبد العزيز
اتاح المعرض الدولي للكتاب المقام في الرياض بالسعودية للفترة من 1/10 الى 10/10 فرصة لنا للاطلاع على جانب آخر من الحياة في البلاد الواسعة، متعددة المكونات الاجتماعية والطوائف والتقاليد والعادات، بما يجعلنا نفكر ملياً في حجم المهام والمخاوف ايضاً التي تمور وتكتنف التحولات السريعة التي احدثها التغيير في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية .
كنت زرت الرياض قبل عشر سنوات، وكان الاصدقاء هنا يحدثونني عن شكيمة وبطش هيئة الامر بالمعروف المتشددة بالناس، وعن قدرتها على اختراق الدولة، وعجزها عن لجم سلوك أعضائها، الهيئة التي تأسست مع التاسيس الاول للمملكة، وكيف انها قدمت الصورة القبيحة عن الحياة هنا، لكنني حين سرت بـ (الكورنيش) وهو كناية عن الشارع الطويل المجاور لشارع الامير تركي بالرياض فقد وجدت ان الحياة هنا عصفت بقوة بالهيئة وتاريخها القبيح. فقد أنشأت احدى الشركات شارعاً طويلاً هو الاجمل والأطول في المملكة للمشاة لا تدخله السيارات وعلى جانبه الأيمن أقيمت عشرات المطاعم والكازينوهات تتخذه الأسر والمشاة بعامة طريقاً للنزهة في معلم معماري جميل، ترى فيه النساء سافرات لا يتحرجن من احد والقانون ملزم وصارم في التحرش هنا، وافصح عن صورة جديدة عن حياة المرأة التي امست تركن سيارتها في الباركنك وتتمشى وحدها حاسرة الراس بثيابها التي تراها مناسبة دونما خوف من احد.
أخذني احد الاصدقاء السعوديين بسيارته الى المجمع الدبلوماسي، وهي مباني حديثة شيدت قبل اربعين سنة على طراز البناء النجدي القديم، اتخذت لمقار للسفارات وسكن الدبلوماسيين، فيها أسواق ومطاعم وكازينوهات وحدائق، يسمح بزيارته للمواطنين، فكان فرصة لمعاينة الحياة من جانب مختلف. وفيما كنا نتحدث عن الطور الجديد الذي يعاد بموجبه مواجهة العالم وبرؤية 20-30 التي اعلنها ولي العهد الامير محمد بن سلمان راح صديقي يحدثني عن المنقلب في سياسة المملكة الخارجية، التي بدأت تتوجس من اعتمادها الكلي في علاقتها بامريكا، عبر إقامة علاقات قوية مع الصين وروسيا بما فيها التسليح والعلاقات الدبلوماسبةً، هنا شعور عام وخاص في المجتمع السعودي بان امريكا غير ضامنة ولا آمنة للأخير، فهي وإيران طرفا تفاوض مبني على المصالح وغير معنيين بأمن وحياة الشعوب والدول، وما على المملكة الا ان تعتمد على شعبها وسياستها الخاصة في رسم مستقبل شعبها.
بعد تجوال طويل مرهق بين الكتب ودور النشر الكثيرة التي شاركت في المعرض كان علينا ان نبحث عن الليل في الرياض، وما اذا كان سيمضي على الأسرة دونما تحريك من نشوة لكن الاصدقاء السعوديين بددوا المخاوف معلنين بان (الرياض غير) العبارة التي كان يفتخر بقولها اهل جدّة، وفي لحظات كانت السيارات تقطع بنا شارعاً واخرَ وتعبر تقاطعا واخر حتى بلغنا مكاناً منتجعاً هو مما نجده في مدننا وفي المدن الجميلة الأخرى، واذا بالمشهد متغير تماما، فقد نصبت الطاولات وطالت الزجاجات وكثرت الأقداح وتنفس الصحب الخيلاء، في ليل اوله نبيذ وآخره( حنيذ) وهو اسم الطبق اللذيذ الذي أقامه الأشقاء الادباء من نجران التي تقع على الحدود اليمنية، فيما حديث الادب والشعر الذي ابتدا بالعراق ولم ينته بمصر وفلسطين والسعودية.
تتيح الحكومة الجديدة الفسحة واسعة لسكانها في تنفس الحياة بشكل اخر، فق ذهبت المخاوف، واستبعدت الظنون، ففي البقعة التي ضمتنا البارحة كانت هناك صفوف من المباني التي انشأت لانقضاء الليل وسحب البساط من تحت اقدام التشدد والمتشددين لعلمها بان الحياة لا تستقيم به، انما بالحرية والمساواة، وفي الشارع الان كانت عيني ترصد عدد سائقات السيارات اللواتي نثرت الريح شعرهن.