إياد الصالحي
برغم مضي ثمانية عشر عاماً على دخول العراقيين مرحلة التغيير السياسي، وما شهده من تحوّلات فكرية تمترستْ وراء حصانة الحرية التي منحها الدستور، إلا أنّ البعض لم يزل يعاني عُقدة العلاقات الشخصية المتوتّرة، ويتبنّى موقفاً مضادّاً يتعدّى حدود الدفاع عن موقفه ومصلحته، إلى الضرر بسُمعة البلد وحكومته باتهامات لا تستند الى أدلّة، من دون أن يتمهّل ويستدرك خطورة ذلك، ويتساءل: متى أتكلّم.. ومع مَنْ.. ولماذا؟!
ثلاثة أسئلة سهلة المعنى وصعبة في اتخاذ قرار الخوض فيها أو التزام الصمت الذي ينمُّ عن حصافة الشخص وقراءته للحدث من زوايا أبعد عن الضغط النفسي الذي يسقطه في التوقيت الحرج احياناً ليرتكب أخطاء كثيرة بحق نفسه والآخرين لا ينفع معها التبرير أو الاعتذار أو التراجع لتقمّص دور جديد!
لم نجد أي تفسير منطقي لعودة رئيس نادي الكرخ شرار حيدر إلى ملف انتخابات اتحاد كرة القدم التي خسرها في الرابع عشر من أيلول الماضي، برغم مجاهرته بعد نصف ساعة من ختامها عن سعيه لتهيئة عريضة دعواه القضائية ضدّها في محكمتين عراقية ودولية، وعاد أمس الأول ليوجّه بعض الاتهامات للحكومة ورئيس اتحاد اللعبة واطراف سياسية لم يسمّها تدخّلت بشكل مباشر في حسم الملف للطرف المنافس، وينهي كلامه أنه لن يشكو درجال للقضاء ولن يتعاون معه .. وسيكتفي بدور المراقب لاعماله!
لا تعني حرية الرأي المكفولة لشرار حيدر أن يطرح أمام المشاهدين فزوُّرات غامضة عن اسماء سياسيين ومؤسّسات ودول تآمرت ضدّه من أجل تثبيت الوزير عدنان درجال في كرسي رئيس اتحاد كرة القدم حتى أيلول عام 2025! لمصلحة مَنْ جرى كل ذلك، سيما أنها الانتخابات الأولى التي يتم الكشف عن تدخّل دولة جارة فيها - حسب إدعاء شرار - بعكس الانتخابات السابقة التي طعنَ الخاسرون بنظام إقامتها وعدم نزاهة التصويت فيها، ما يعني وجود تأثير دولي للضغط على الحكومة والهيئة التطبيعية المُشرفة على المؤتمر بعدم عرقلة مسيرة درجال نحو الرئاسة والتزام الصمت إزاء جمعه منصبي الوزير والاتحاد إلا إذا ظهرت معلومات أخرى تدحض قول شرار!
المسألة الأخطر في كلام شرار أنه تم انفاق أكثر من خمسة مليارات دينار لاقامة انتخابات الكرة، وهو مبلغ كبير لم يوضّح كيف وأين أنفق وما تفصيلاته إن كانت هناك أبواب إضافية تسهّل عملية الاقتراع، ومع ذلك لا يمكن أن يصل اجمالي نفقات الهيئة التطبيعية في المؤتمر فقط الى هذا المبلغ، وهو إدعاء علني مطالب صاحبه بتأكيد حيثياته، وكذلك نترقّب موقف رئيس التطبيعية إياد بنيان منه، وكذلك درجال، على أن تتولّى الجهات الرقابية تدقيق التصريح وتطلب قوائم الانفاق الخاصة بالمؤتمر لبيان الحقيقة للناس.
أما قضية سحب الثقة من نائب رئيس الاتحاد علي جبار بتنسيق خمسة وعشرين عضو هيئة عامة يجري زيادة عددهم ليكتمل النصاب بين خمسة وستين عضواً، لم تكن لدى شرار القدرة على بيان اسباب هذه الحركة برغم كونه جزءاً فاعلاً ضمن العمومية ولاعباً أساسياً أيضاً باعتباره نائباً للرئيس في ثلاث دورات متتالية 2011 و2014 و2018 لكنّه لم يتردّد بالقول أن سحب الثقة لن يتم إلا إذا أعطى درجال الضوء الأخضر! ويُفهم من ذلك (انقلاب وشيك للرئيس على نائبه بعد أن ضمن اصوات الرئاسة).
ثم أردف بالقول لست مشتركاً في التنسيق ولن أدافع بالإنابة عن أحد في معارك المستقبل، ما يصوّر لنا ضبابية بعض التسميات مثل (لجنة تصحيح المسار الكروي) التي ينضوي لها المتحدّث، فأي مسار تنظر له هذه اللجنة وهي تواجه أول أختبار بالمصلحة الوطنية وبنزاهة الموقف بعد انتهاء الانتخابات بمحاولة اطاحة عضو اتحاد مُنتخب في موقع قيادي، هل بحثت اسبابه ودوافعه؟!
وفي الوقت الذي نحيي شجاعة شرار حيدر بعدم الانسحاب أمام المرشّح الوزير برغم علمه قبل شهر من موعد الانتخابات أنه خاسر لا محال، فإنه لم يوفّق في تبرير سحب شكواه القضائية بذريعة تسجيل موقف للتاريخ وعدم التأثير على مشاركة منتخبنا الوطني في تصفيات المونديال، فمجرّد حضوره القاعة والإدلاء بصوته يعني قبوله المنافسة ونتيجتها بكل أحوالها، أو أن يسجّل الخروق، ويوثق معاناته في حرب التثنيات، وما رصده من مساومات وتهديدات، ويعدّ ملفاً مسنداً بالمعلومات والصور ويذهب به الى القضاء من دون تراجع!
إخطار شرار التلفازي يُفيد بأن (جمهورية كرة القدم) مُهدّدة بالأجندة الداخلية والخارجية.. ولم تنل الاستقلال بعد .. بشهادة الحكم الرابع!