اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: ثياب أباطرة نوبل الأدب

قناديل: ثياب أباطرة نوبل الأدب

نشر في: 9 أكتوبر, 2021: 11:09 م

 لطفية الدليمي

ذهبت السكرة وجاء وقت العمل الذي يسابق الزمن لاقتناص فرصة لاتجود بها إمبراطورية نوبل الأدبية إلا مرّة كل عام ؛ إذ لاتكاد تمرّ سويعات على إعلان اسم الملك المطوّب على رأس مملكة الأدب حتى يسارع المستفيدون في ترتيب أجندتهم القادمة : طبعات جديدة من أعمال قديمة للفائز نُشِرت ببضعة آلاف من النسخ وهاهي جاهزة للنشر بالملايين . إنه موسم ( بزنس ) في نهاية المطاف ، ولاضير في هذا أبداً طالما اعتمد معايير النزاهة .

عرفتُ اسم الفائز النوبلي بجائزة الأدب 2021 ، عبد الرزاق قرنح ( أو غورناه أو قرنة أو جرنة أو سواها ماشئت من الأشكال ) ، قبل نحوٍ من سبع سنوات عندما كنتُ أشتغلُ على ترجمة كتاب ( مقدّمة كامبردج في الآداب مابعد الكولونيالية ) . توقفتُ كثيراً عند إسمين ( هما Abdulrazak Gurnah و Aijaz Ahmed وردا في الفصل الأخير المسمّى ( أطفال العالم ) ضمن أسماء كثيرة يعرفها المتمرسون في حقل الدراسات الاستشراقية ومابعد الكولونيالية ، وجُلّهُم من التلاميذ الخلّص لإدوارد سعيد حتى لو إختلفوا معه لاحقاً . قضيتُ أوقاتاً ليست بالقليلة في معرفة الجذر الاشتقاقي ( الإثنولوجي ) لكلا الإسميْن السابقين ، كما قرأت مواد تختص بكلّ منهما وبالطريقة ذاتها التي فعلتها – وأفعلها – مع كل اسمٍ جديد يُعْرَضُ لي في سياق ترجمة كتاب أو مقالة أو حوار .

أثارت فيّ مسألة فوز عبد الرزاق قرنح جملة من الموضوعات الإشكالية سأتناولها في سياق سريع :

أولاً : ليس الجهل بِـ ( عبد الرزاق قرنح ) قبل فوزه بنوبل الأدب مثلبة أو دالة على جهلنا المفترض وبخاصة لدى عموم القراء . لماذا نريدُ من قارئنا العربي أن يكون غولاً معرفياً يحيطُ بكلّ الأسماء الأدبية أو الثقافية العالمية وبخاصة أنّ دور النشر العربية لم تترجم له شيئاً من قبلُ ؟ هل يعرفُ كل القرّاء الغربيين نجيب محفوظ الذي حصل على نوبل الأدب قبل أكثر من ثلاثين سنة ؟ معرفة أسماء الأدباء والروائيين المعاصرين ليست إشارة إلى سعة الثقافة أو شرطاً لها . لم يسمع الكثير من القرّاء العرب مثلاً بالروائية الايرلندية ( سالي روني Sally Rooney ) التي حققت أعلى المبيعات خلال السنوات القليلة الأخيرة ، وهذا أمر بديهي لأنّ اعمالها لم تُتَرجم حتى اليوم ، وحتى لو تُرْجِمت فليس شرطاً أن يقرأها الجميع . هل القارئ العربي مطلوب منه أن يكون قارئاً حصرياً للرواية دون سواها من الألوان المعرفية ؟ وحتى لو كان قارئاً حصرياً للرواية فلن يواكب الأسماء الجديدة التي تطلّ علينا كل عام . أنا روائية ومُتابِعة وأحكي عن معرفة وثيقة في هذا الميدان . كفى ظلماً للقارئ العربي ، ولاتزيدوا أعباء الحياة القاسية على كاهله .

ثانياً : جرّب أن ترفع إسم ( عبد الرزاق قرنح ) من ديباجة الإعلان النوبلي الذي كرّس فوزه ، وضع بدلاً عنه ( نغوغي واثيونغو ، أو تشيماماندا نغوزي أديتشي ، أو بن أوكري ، أو تسي تسي دانغاريمبكا ـ أو جامايكا كينكايد « مع تحويرات مناطقية محسوبة « ، ،،، إلخ ) ولن يحصل كبير فرق في الديباجة . المسألة كيفية وانطباعية وعمومية إلى حد كبير .

ثالثاً : يؤكّد أباطرة نوبل الأدبية أنّ المعيار الأساسي في الجائزة هو الجدارة الأدبية Literary Merit . لن أقتنع يوماً – وأحسبُ كثيرين يشاركونني في قناعتي هذه – أنّ عبد الرزاق قرنح أعلى قيمة أدبية من مارغريت آتوود أو ميلان كونديرا . ربما سيقول هؤلاء الأباطرة أنهم يرون غير مانرى ، ولو فعلوا فأحسبهم سيكذبون . المقارنة غير واردة بأي مقياس من المقاييس . لو أنّ المعايير النوبلية حقيقية فربما سيكون الروائي والكاتب البنغالي ( ضياء حيدر رحمن ) الذي كتب روايته المبهرة ( في ضوء مانعرفه ) أكثر استحقاقاً لنوبل الأدب . تذكروا منذ اليوم هذا الاسم ( ضياء حيدر رحمن ) الذي قد يحوز الجائزة بعد عشرين أو ثلاثين سنة . تذكروه حتى لايتهمكم أحد بالجهالة حينها ! .

رابعاً : سيفرحُ البعض بأنّ عبد الرزاق قرنح ذو جذور عربية يمنية . هؤلاء شبيهون بالقرعاء التي تتباهى بشعر بنت عمها . دعونا من هذه المخادعات السايكولوجية . قرنح لايعرف الحديث والكتابة سوى باللغة الإنكليزية ( الكولونيالية !! ) مضافاً لها السواحلية ؛ فعلام تهلّلون ؟ حتى كبارُ الأدباء الأفارقة من المرشحين الدائمين على قوائم نوبل الأدب هم من أساتذة كبريات الجامعات الغربية ، ولهم باعٌ في حقل دراسات التعددية الثقافية ومابعد الكولونيالية . ربما سيكون مشهداً ديستوبياً كالحاً لانتمناه لأشقى الأشقياء أن نتخيل حال عبد الرزاق قرنح لو كان في اليمن يجاهد للحفاظ على حياته وسط الجحيم الانساني المروّع . هل كانت ستأتيه نوبل الأدب حينها ؟

خامساً : لو كان ثمة حَسَنَةٌ تعزى لنوبل الأدب 2021 فهي أنها ستساهمُ في إعلاء إسمٍ سيفيده المليون من الدولارات النوبلية – فضلاً عن المترتبات المالية لحقوق التوزيعات الجديدة من كتبه السابقة - في عيش حياة مسترخية من الناحية المالية . ماالذي كانت مارغريت آتوود – مثلاً – ستفعله بملايين إضافية ؟ لاأرى أنّ الشهرة والمال النوبليين كانا سيسعدانها وهي ترتشف قهوتها الصباحية في منزلها الكندي الفخم أو في منزلها اللندني المبني على طراز عمارة قصور القرن الثامن عشر .

سادساً : سيثير الكثيرون من أتباع اليسار الجديد ضجيجاً عن قيم العدالة والمساواة المطلوبة في معايير نوبل الأدب ، ويرى هؤلاء أن الجائزة غالت كثيراً في إعلاء شأن المراكز الثقافية على حساب الأطراف ، متناسين الأسماء العديدة الآسيوية والإفريقية التي فازت بنوبل الأدبية منذ عقود بعيدة . أقترحُ حلاً لهذه الإشكالية أن تعتمد نوبل الأدب ستراتيجية المحاصصة الثلاثية : أن تتوزّع الجائزة كلّ سنة على ثلاثة أسماء أدبية ، واحدة لكاتب ، وثانية لكاتبة ، وثالثة لكاتب أو كاتبة من الجغرافية الموصوفة بالهوامش الثقافية ( آسيا وأفريقيا والبحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية حصرياً ) . لماذا ينفرد اسمٌ واحد كل سنة بهذه الجائزة بدلاً من اسمين أو ثلاثة مثلما يحصل مع نوبل الأدب أو الفيزياء أو الكيمياء أو حتى ( أحياناً ) السلام والإقتصاد ؟

سابعاً : معرفة الأدباء والروائيين ( وصُنّاع الثقافة العالمية بعامة ) عبر وسطاء لاتصلحُ أن تكون بديلاً عن المعرفة المباشرة . سنسمعُ كلاماً طويلاً عن السياسات الثقافية الجديدة والقيم العولمية وسياسات الهوية والمنفى والذاكرة ،،،، إلخ ، وسيرى كثيرون في فوز أسماء جديدة محسوبة على هذه الاشتغالات الثقافية تحولاً ثورياً في موقف لجنة نوبل الأدبية . نحنُ لانعرفُ حقاً مايحصلُ في الكواليس ، وليس من بديلٍ عن القراءة المباشرة ( أو الترجمات المتوقعة لاحقاً ) لكي نتيح لذائقتنا الأدبية وجهازنا الثقافي شيئاً من الاسترخاء وهو يحكمُ على مايقرأ . هذا أفضلُ كثيراً من التهليل لثياب ( أباطرة نوبل ) الجديدة ! .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram