طالب عبد العزيز
هل أكتب مادة عن زيارتي لمعرض الرياض للكتاب؟ ربما. هناك أكثر من موضوع للكتابة، فالرياض مدينة مختلفة عن التي رأيتها قبل عشر سنوات، هي مدينة رقمية بحق، إذ لا وجود للورق في تعاملات الكثير من مؤسساتها،
حتى أنني لم أقرأ (فولدر) مطبوعاً يرشدني الى الدار هذه أو تلك، وما على زائر المعرض إلا أنَّ يضع اصبعه على التطبيق الرقمي، المنصوب في أمكنة كثيرة من المعرض، ليرشده الى الدار التي يريد زيارتها. ولا أجد حرجاً اذا قلت: بأنني كنت غريبا فيها، فقد استعصى عليَّ الحصول فيها على قنية ماء للشرب!! إذ لم أكن املك(فيزا كارت) لشرائها، بل واستعصى علي تصريف الدولارات، التي كانت معي الى الريال السعودي، خارج البنك الرسمي.
تذكرتُ كلمة الرئيس التونسي بورقيبة، بعد حرب العام 1967 مع اسرائيل، حيث قال:” علينا ان لا نحارب اسرائيل بعد اليوم، فقد هزمتنا ثقافياً”. ولا أريد القول بأن العالم هزمنا ثقافيا، إنما هزمنا رقيماً!! نعم، نحن في الدرك الاسفل في التعامل الرقمي مع العالم، ومن زار ايران يعلم ذلك جيداً، فصاحب الدكان، وبائع عربة الرقي أو الكرزات على الطريق العام يتعامل مع زبائنه عبر الفيزا كارت، أما في المملكة العربية السعودية فتجاوز الامر ذلك، حيث عدَّ التعامل بالدولار خيانة وطنية، وليس من حق أي من كان التصريف، وهناك ضوابط صارمة تتعلق بحماية الريال السعودي والاقتصاد ورأيت النظام الضريبي قائماً بقوة على البضائع كلها، هناك دولة مختلفة تسعى لحماية مواطنيها، وتعدّث نفسها لتكون البلاد رقم واحد في المنطقة في كل شيئ.
وقد لا أكون بحاجة الى الحديث عن الاحتفاء الذي قوبل به الوفد الثقافي العراقي، في الرياض بوصفه ضيف شرف المعرض، فهو يتجاوز احتفاء وزارة الثقافة أو الجهة المنظمة للمعرض الى المواطن التقليدي، في الشارع والفندق والمطعم ولدى صاحب المتجر البسيط. ما رأيناه يفوق التصور، هناك حبٌّ فطريٌّ، جارف وعارم من السكان لنا، نحن العراقيين، ترسمه المشتركات الكثيرة بين الشعبين، قد تكون عبارات مثل هذه، جملاً صحافية، أو مما تكتبه وسائل الاعلام، لكنني، اتحدث عن جملة ما رأيناه في الرياض، المدينة التي قوضت من عمل هيئة الامر بالمعروف الى الحد الذي ملأت بهم السجون، كما يتحدث لنا الاصدقاء المعنيين هناك، ذلك لإدارك الحكومة بأن هؤلاء إنما يعرقلون عملها وبرامجها وتنفيذ مشاريعها، التي تتظافر الجهود لتحقيقها.
أخذني أحد الاصدقاء في جولة زرت خلالها الحي الدبلوماسي، ومجمع السفارات، وسكن الدبلوماسيين، وهو مكان متاح للسكان أيضاً، يقصده البعض للتمتع بحدائقه المزهرة، واسواقه العامرة والهدوء النسبي فيه، ثم قصدنا (الرياض ووك) وهو شارع طويل وجميل، شيّد بأحدث الطرق، لا تدخله السيارات، يحمل مستخدموه تصريح (توكل) الخاص بسلامتهم من الكوفيد، وهذا تطبيق الكتروني، يُعمل به في جميع انحاء المملكة، يتحمل المخالف فيه غرامات تصل الى حد الـ 300 دولار، فالقانون هنا صارم، لا مجاملة فيه، والشرطي يخشى العقوبة من مسؤوله المباشر، في حلقة أمنية واضحة وشفافة لا تقبل التهاون.