د.قاسم حسين صالح
الحلقة الثانية
تناولت الحلقة الاولى تعريفا
بالعوامل التي تسهم في تحولات بنية المجتمع،وموجزا لأبرز الأحداث التي شهدها العراقيون في قرن..وتختص هذه الحلقة بتلك التي حدثت زمن النظام الملكي.
العراقيون زمن النظام الملكي..(مؤشرات)
أسهم قيام الدولة العراقية الجديدة (1921) في توحيد الجماعات المكونة للشعب العراقي بقيادة ملك تمتع برجاحة عقل ودبلوماسية ومرونة في السياستين الداخلية والخارجية وتأييد شعبي واسع، هو الملك فيصل الأول الذي يعد مؤسس دولة عراقية تستند لمقومات الدولة الحديثة اقتصاديا وعمرانيا واداريا وقضائيا وعسكريا وثقافيا،واحداث تحولات نوعية سياسية- ثقافية- اجتماعية في الشخصية العراقية،ونشوء احزاب وتيارات سياسية وطنية وقومية ويسارية.واستطاع النظام الملكي القضاء على التصنيف الاجتماعي الذي احدثه الاحتلال العثماني بتجزئة العراق لثلاث ولايات (بغداد والبصرة والموصل)تمثل ثلاث منظومات سوسيولوجية لكل منها طابعها الاجتماعي وسلوكياتها وقيمها التقليدية،والبدء بتوحيدها في هوية وطنية عراقية وتغليبها على الهويات الفرعية القومية والدينية والطائفية،التي تضمنتها مذكرة الملك فيصل(1932) بدعوته الى الوطنية الصادقة وتجاوز الكتلات البشرية المشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ليشهد عهده نهوضا وتطلعا نحو الحداثة والتقدم.
ومع ان (الباشا) نوري سعيد عرف بحنكته السياسية الا ان ولاءه المطلق للحكومة البريطانية وفشله في ترسيخ الديمقراطية البرلمانية كوسيلة لتداول السلطة سلمياً بين الجماعات والقوى العراقية المختلفة،واخفاقه في إنشاء مؤسسات دستورية قوية تثبت أسس الدولة الحديثة التي تستند إلى مبدأ المواطنة،وانهاء الولاء والخضوع والخوف من السلطة،افضى الى ثقافة التآمر والانتفاضات والأنقلابات.
ويؤخذ على النظام الملكي انه اشاع الاقطاع الذي اذلّ الفلاحين وأفقرهم،وانه عاش حالة تناقض بين نزعته الوطنية ومحاباته للنفوذ البريطاني في العراق،وقيام انتفاضات شعبية واعتقالات وسجن واعدام شخصيات وطنية دفعت بعدد من الضباط الى الاطاحة بالنظام الملكي وقتل العائلة المالكة وصدور احكام اعدام وسجن على رموزه في الحكم من قبل (محكمة الشعب).
النظام الجمهوري الاول 14 تموز 1958
شهد العصر الجمهوري الأول تحولات كبيرة اهمها انه اعاد تشكيل الطبقات الاجتماعية،بتحريره الثروة النفطية والعملة العراقية،واصداره قانون الأصلاح الزراعي الذي اضعف سلطة القبيلة التي كانت تفصل القرية عن المدينة والتصادم بين قيم الريف والبداوة ،وحجّم دور القوى الدينية التقليدية،وانفتح على العالم المتحضر في التعليم والثقافة والفن.
الا انه عاش اوضاعا استثنائية اخطرها محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم ومحاولة انقلابية قادها الشواف،وشنه حربا ضد الشعب الكردي،وازمة ضم الكويت،ونشوء صراعات بين الشيوعيين والقوميين راح ضحيتها آلاف القتلى بعضها كانت في مجازر بشرية..لتطيح به في 8 شباط 1963. ومع كل ما قيل عن عبد الكريم قاسم فأن الأصدقاء والأعداء يشهدون بانه كان حاكما نزيها،فهو برغم انه الرجل الأول في الدولة العراقية فانه لم يمتلك قصرا ولا مالا،وقضى مدة حكمه ينام بغرفة في وزارة الدفاع،ولم يكن لديه اموال بمصارف عراقية او اجنبية.
النظام الدكتاتوري
كان متوقعا للعراق ان ينتقل في 1989 من مستوى الدول النامية الى مستوى الدول المتقدمة،ليشهد المجتمع العراقي تحولات تقدمية،فاجهضها النظام الدكتاتوري بشن حروب عبثية داخلية وخارجية،اطولها مع ايران استمرت ثمان سنوات(1980-1988). ولم تلتقط الناس انفاسها ليشن حربا بغزو الكويت في آب (1990) راح ضحيتها آلاف الأبرياء،وعاش العراقيون حصارا اقتصاديا اضطر فيه الاستاذ الجامعي الى ان يعمل سائق تكسي بسيارته الخاصة،وتراجع مكانته من المرتبة الرابعة في سلم المكانتين الأقتصادية والاجتماعية الى المرتبة الرابعة والعشرين بعد مصلح الراديو والتلفزيون.
عقد السبعينيات
تعد المدة الواقعة بين 1970 و1979 هي افضل عقد في حياة العراقيين،ففيه لم تكن هناك حروب ولا انقلابات..وفيه شهد العراق نشاطا عمرانيا كبيرا لاسيما العاصمة بغداد.وفيه كانت الطبقة الوسطى منتعشه اقتصاديا حيث كان الدينار العراقي يعادل اكثر من ثلاثة دولارات اميركية.والثقافة في ازدهار والفكر في تنوير،واحتلت الشخصية العراقية مكانة متميزة عربيا وعالميا. وبقيام صدام حسين بعزل الرئيس احمد حسن البكر (1979) وتوليه رئاسة الدولة العراقية دخل المجتمع العراقي في حروب نجم عنها انهيار في المنظومات القيمية للمجتمع العراقي.