ستار كاووش
إختفتْ معظم اسمائنا الاعتيادية تحت مسميات جديدة أخذتْ تتسع وتتكاثر مثل الأميبيا، حتى أوشكتْ أن تكون أمراً طبيعياً متفقاً عليه، وباتَ بحكم الطبيعي أن ينادي الناس بعضهم بتسميات مثل الحجي والدكتور والسيد وغيرها الكثير،
وبذلك إختبئت الأسماء الفعلية لتحتل أماكنها هذه الاضافات والتحويرات التي اصبحت أساس التعامل والتواصل، وصار من الصعوبة معرفة الأسماء الفعلية والحقيقية التي يُفتَرَض مناداة الناس بها. وأغلب هذه التسميات برأيي الشخصي تحمل الكثير من التمييز العنصري والرياء- رغم ظاهرها الذي يشير الى الإحترام- لأنها تضع الناس في خانات وتقسمهم لفئات إجتماعية رغم تساويهم في الغالب، ومنها ما يوحي بإضافة هالة مقدسة لبعض الأشخاص، حتى وإن كانت زائفة. أعرف أن هذا الأمر يختلف بإختلاف ثقافة كل بلد وتقاليده، لكني أراه عندنا يحمل الكثير من المغالاة، ولم يعد التعامل مع الأسماء كما يحدث في الوضع الطبيعي بأي مكان في العالم. وفوق ذلك فإن بعض التسميات عندنا تلتبس مع بعضها وتتداخل، فتقفز هذه التسمية على تلك، ويتحول الدكتور الى حجي وينقلب صاحب السطوة أو المصلحة الى السيد… وهكذا.
وما آثار إستغرابي حقاً، هو مخاطبتي من قِبَلِ البعض، ومنهم المشتغلين بالفن بكلمة حجي، التي تتكرر احياناً على ألسنتهم مرات عديدة في الحديث الواحد معي عبر التلفون! وهكذا صار إسمي بين ليلة وضحاها الفنان التعبيري حجي ستار كاووش! أنا حجي؟! لكن كيف صار ذلك؟ يبدو أن هذا غير مهم لمن يستعمل هذه التسميات.
كل كائن، بل كل شيء في هذا العالم له إسم محدد يُعَرَّف به، وهذا ينطبق على أسماء الأشخاص التي يجب مناداتهم بها، لأنها ببساطة أسمائهم الحقيقية، بل ربما تكون هي الأشياء الوحيدة التي تشير الى هوياتهم الفعلية بشكل مؤكد. ولعلي لا أضيف جديداً حين أقول أن العالم كله، لا يخاطب كل من حصل على شهادة الدكتوراه بكلمة دكتور أو غيرها (رغم أن هذا ممكن لضرورات معينة)، وهناك كلمة مهذبة يتعامل بها الناس عادة مع الغرباء او الذين لا يرتبطون بهم بمعرفه، وهي كلمة سيدة أو سيد، وهي لا تحمل معنى مقدس كما يحصل عندنا، بل يقولونها للاحترام أو لعدم معرفتهم إسم الشخص فقط. أما حين يكون الشخص المقابل من معارفك، فهنا تناديه بإسمه المجرد هكذا بكل بساطة، مهما كانت شهادته أو وظيفته أو مكانته الإجتماعية. لديَّ الكثير من الأصدقاء من حاملي شهادات الدكتوراه في هولندا ومنهم مدراء متاحف مرموقة، وأتخيل كم سيبدو وضعي مضحكاً بالنسبة لهم لو ناديتهم بكلمة دكتور أو دكتورة بدلاً من أسمائهم الشخصية. وأتذكر حين التقيتُ في إحدى المناسبات القريبة الماضية أحد معارفي، وهو محافظ لإحدى مدن المقاطعة التي أعيش فيها، وتبادلنا التحية والحديث في الكثير من التفاصيل، وأنا أردد اسمه الأول (يوهانس) مثلما فعل هو معي بمخاطبتي (ستار).
وبمناسبة إسم يوهانس، وهو إسم شائع في هولندا، فقد عُثِرَ في الفترة الماضية على حوت كبير على ساحل جزيرة تكسل الهولندية ببحر الشمال، وقد مات هذا الحوت بسبب بعض العوارض الطبيعية ولم يستطع المسعفون مع الأسف أن يعيدونه الى الماء حياً رغم كل المحاولات، وقد أطلقوا عليه أسم ( يوهانس ) لتثبيت ذلك عند المختصين أو في متحف التاريخ الطبيعي. لكن المشكلة حدثت عندما أكتشفوا أنه أنثى وليس ذكراً، عندها طالب خبراء الحيتان في هولندا على الفور بتغيير أسمه الى أسم فتاة أو أنثى حتى بعد وفاته، لأن تسميته بإسم ذكر يعتبر خطأ لا يغتفر، لذا إختاروا له أسماً جديداً هو (يوهانا) وثبتوه في البيانات حتى وهو ميت. وقد تابعتُ في الصحافة والتلفزيون موضوع الاسم الخاطيء وتصحيحه، وأنا أضحك متعجباً ومتذكراً موظفاً في مطار عربي، أمسك بجوازي الهولندي وقبل أن يفتحه أو يقرأ أسمي سألني مكشراً (ما هو أسم أمك ؟) فظننته يمزح وأنا أستعيد أغنية صباح (شو إسمك)، لكني تيقنت من جديته حين نظر إليَّ متجهماً، ومنتظراً الجواب، ففكرتُ أن أقول له أن إسمها يوهانا، لكني ترددتُ، بعد أن تقمص صاحبنا شخصية (جيمس بوند) وبدأ ينقل نظراته الصارمة بيني وبين جواز سفري.