لطفية الدليمي
أبحث بين حين وآخر في بعض المواقع العلمية العالمية المعنية بحياة النباتات عن معلومات مستجدة تتعلق بسلوك الأشجار .
قرأت مؤخراً مقالة للكاتب العلمي " شون رادكليف " في صفحته الشخصية - باب البيولوجي – بعنوان ( اللغة السرية للأشجار )، ولعلّ الروائي التشيلي أليخاندرو سومبرا قد تأثر في روايته "الحياة السرية للأشجار" بكتابات رادكليف وربما قرأ كتاب عالم النبات الالماني بيتر فولبين ( الحياة الخفية للأشجار) ؛ الأمر الذي يشير إلى إمكانية استفادة الفن الروائي من العلوم المختلفة - وحياة الأشجار بخاصة - في إثراء الإتجاهات الروائية المعاصرة .
يتحدث عالم النبات فولبين في محاضرة له حول تواصل الأشجار مع بعضها وتضامنها إزاء الخطر وعنايتها بالصغير منها و" كأنها تدرك بأن أي خطر تتعرض له شجرة ما سيفضي إلى انقراض الغابة " . قد تصدم هذه الحقيقة كثيراً من البشر الذين لايؤمنون بالتضامن والتعاون والتكافل البشري لأنهم اعتادوا الدفاع عن فرديتهم ووضع حواجز ومصدات بينهم وبين الآخرين ؛ بل أن غالبية أنماط السلوك البشري اليوم تمجد اقتناص الفرص والتنافس الشرس حد إباحة القتل .
رسخَتْ طوال 180 عاماً في عقول البشر الفكرة الداروينية القائلة بأن ( البقاء للأصلح ) مما يبرر كل تنافس وصراع ليفوز الأقوى ويتقدم على حساب مصائر الآخرين ، وقد انسحبت هذه الفكرة على جميع الكائنات الحية والنباتات وأكدت على أن الأشجار تكافح لفرض سطوتها على الأمكنة والتسيّد على النباتات الأقل شأناً ووهناً كما يحصل في عالم البشر والحيوان ؛ لكن اكتشافات جديدة دحضت فكرة الصراع بين الأشجار وأثبتت وجود علاقات معقدة ونمط غريب من التواصل ومشاركة الموارد بين الأشجار الكبيرة والصغيرة ، ولكي تحمي بعضها تتعاون جذورها مع الخيوط الفطرية لتولد مايشبه اشارات كهربائية لإنذار الأشجار الأخرى بالخطرالوشيك .
تنفي هذه الإكتشافات نظرية الانفصال والصراع على مصادر الغذاء بين الأشجار ؛ بل أن هناك روابط خفية تشبه الحب وارتباط المصير بين شجرتين حتى إذا ماتت واحدة منهما سرعان ماتلحق بها الأخرى بعد فترة يسيرة .
يقول عالم النبات الألماني فولبين أن لغة الاشجار التي تتخاطب بها عبر شبكات من الخيوط الفطرية والجذور هي وسيلتها الخفية التي تتواصل بها مع بعضها وتغذّيها بسخاء وإيثار قد لايعرفه بنو البشر الذين حولتهم النظم السياسية والاقتصادية وطرائق العيش المدينية القاسية إلى كائنات عاجزة عن التواصل .
العجيب في الأشجار أنها تحمي البيئة بطرائق متعددة ؛ ففضلاً عن دورها في الحفاظ على نسب الاوكسجين الضرورية للحياة الحيوانية فإنها تتشارك الغذاء وتتبادله مع الفطريات الخيطية ؛ فتعطي السكر للأشجار الضعيفة كما تقدمه للفطريات كغذاء يديمها بينما تهبها الفطريات عنصر الكاربون ، فلا صراع في البيئة الخفية بل حياة تشاركية حقيقية تحافظ على التوازن البيئي ، ويناقض هذا السلوك مايفعله جشع البشر من تخريب لبيئة الأرض ونهبٍ لمواردها وإخلال بتوازنها .
يخبرنا علماء النبات أن جذور الأشجار ( تعرف ) إلى أين ترسل المعونة وتميز الأشجار المحتاجة بخاصة وقت الجفاف ، كما أنها ترسل أصواتاً لايسعنا سماعها لتنذر أشجار الغابة الأخرى بالخطر القادم ( كهجوم الحشرات واقتراب الحرائق ) ، وتقوم الأشجار المعمرة التي تعتبر( أم الغابة ) بحماية الأشجار الفتية ومساعدتها ، فإذا ماقطعت الشجرة الأم تأثرت الغابة بكاملها .
ها نحن في الألفية الثالثة نرى معظم البشر يفقدون القدرة على التواصل والتفاهم ويوغلون في السلوك المتوحش الذي يغذيه الجشع والاختلافات العرقية والطائفية والتشدد حد إباحة القتل ، وكأنهم ماضون إلى مرحلة انقراض وشيكة ؛ فمن ياترى سيكتب الرواية الأخيرة عن فناء البشر مستعيراً حبكة حياة الشجر ؟
جميع التعليقات 1
عدي باش
ليت البشر يستلهمون القيم النبيلة من عالمي الحيوان و النبات ، بل وحتى من الجماد ، كي يسود عالمنا السلام و التسامح و المحبة و نبذ الكراهية و البغضاء .. كم هي سحيقة الهوة بين الواقع و الأمل !!!