TOP

جريدة المدى > عام > البروفيسور نائل حنون: لا يوجد تخصص في المسماريات يجعل المختص قادراً على التعامل مع النصوص المسمارية

البروفيسور نائل حنون: لا يوجد تخصص في المسماريات يجعل المختص قادراً على التعامل مع النصوص المسمارية

نشر في: 15 نوفمبر, 2021: 11:16 م

ابرز علماء الآثار في العراق والعالم وأول من ترجم نصوصاً سومرية وأكدية مباشرة إلى العربية

حاوره/علاء المفرجي

القسم الاول

ولد العالم الآثاري والبروفسور والباحث والكاتب والمنقب في المواقع الاثرية نائل حنون في محافظة ميسان جنوب العراق في عام 1952ويعد من أبرز علماء الاثار في العراق والعالم، حاصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة اللغة الأكّدية وآدابها من جامعة تورنتو الكندية، أكثر من 50 سنة أمضاها في الدراسة والتدريس والتنقيب الاثري والبحث العلمي، نشر خلالها أكثر من سبعين بحثا ودراسة وما يزيد على عشرين كتاباً. ويعد نائل حنون تلميذاً لعالم الآثار العراقي طه باقر حيث أشرف على رسالته في الماجستير وهو أثاري متخصص حيث قرأ وترجم شريعة حمورابي مباشرة من نصها المنقوش بالخط المسماري وباللغة الأكّدية إلى اللغة العربية خلافاً للترجمات السابقة التي تمت من اللغة الإنجليزية واللغة الألمانية إلى اللغة العربية.

ونائل حنون هو أول من ترجم نصوصاً مسمارية سومرية وأكدية مباشرة إلى اللغة العربية، ومن هذه النصوص ملحمة الخلق الاولى (حينما كان في العلى) من الأكّدية إلى العربية من دون ترجمة غربية وسيطة يعد الدكتور نائل من علماء الآثار والتاريخ القديم والمسماريات واللغتان الأكّدية والسومرية، أمتاز بفك أحرف اللغات القديمة لاسيما الأكّدية والسومرية دون الرجوع إلى قواميس اللغات فهو مترجم لعدد من أهم الألواح الطينية التي كتبت بالخط المسماري تتلمذ على يد العالم طه باقرحيث اشرف على رسالته لنيل الماجستير في سبعينات القرن الماضي. حاصل على شهادة بكالوريوس في الآثار القديمة من جامعة بغداد في العام 1972م، وشهادة ماجستير في الآثار القديمة من جامعة بغداد 1976م، وفي عام 1982م حصل على شهادة ماجستير آداب في اللغات المسمارية من جامعة تورنتو الكندية ودكتوراه فلسفة في اللغة الآكادية من جامعة تورنتو في كندا عام 1986م أشرف الدكتور نائل على الكثير من الدراسات العليا من عام 1999 وحتى الان من بينها رسائل وأطاريح للماجستير والدكتوراه في مختلف جامعات العراق وسوريا وفي مدنها المختلفة، وكانت له سلسلة طويلة من المحاضرات العامة والندوات الثقافية والإثارية والتاريخية في الجامعات والمجامع العلمية واللغوية والقصور الثقافية في العراق وسوريا وليبيا وكندا وإيطاليا وفي سلطنة عمان. ويشغل الان مدير متحف الذاكرة العُمانية في مسقط، منذ عام 2018. له العديد من البحوث المنشورة في العراق، وكذلك المنشورة في (هيئة الموسوعة العربية، دمشق)، وموسوعة الاثار السورية. وكذلك عدد من المؤلفات منها: عقائد ما بعد الموت في حضارة بلاد وادي الرافدين القديمة، ونظام التوثيق الآثاري، والمعجم المسماري، معجم اللغات الأكدية والسومرية والعربية، وعقائد الحياة والخصب في الحضارة العراقية القديمة، شريعة حمورابي، ترجمة النص المسماري مع الشروحات اللغوية، زز وغيرها اضافة الى الكتب المترجمة.

 "عقائد ما بعد الموت في حضارة بلاد وادي الرافدين القديمة" بحث ريادي فتح مجالاً في دراسة الأساطير القديمة وكشف في مجال معتقدات سكان العراق القدماء عن الحياة والموت... وفي الوقت نفسه أخذ مكانه في أفق النقد الأدبي وكذلك كتابك الأخر "عقائد الحياة والخصب في الحضارة العراقية القديمة"... ما الذي يعنيه هذان الكتابان بالنسبة إليك؟

صدرت الطبعة الأولى من كتاب "عقائد ما بعد الموت..." في العام 1978 م، والطبعة الثانية في العام 1986 م. وقد اعتمد هذا الكتاب على مشروع الرسالة التي تقدمت بها إلى جامعة بغداد لنيل شهادة الماجستير في الآثار القديمة تحت إشراف استاذي الجليل طه باقر رحمه الله. لقد اخترت موضوع الموت لبحثي الرئيسي الأول عن حضارة وادي الرافدين وأنا ألج في عالم هذه الحضارة منبهراً متهيباً متلهفاً. فقد قرأت عنها في مرحلة الدراسة المتوسطة والإعدادية في ستينيات القرن الماضي. حينها كان هناك ما يعرف بالمكتبة المدرسية في العراق، وهذه المكتبة كانت تؤسس في كل مدرسة إعدادية وترفد باستمرار بالكتب الجديدة وتكون في خدمة الطلبة ومدرسيهم. ولذلك كان الطالب العراقي يكمل دراسته الثانوية وقد امتلك رصيداً معرفياً وثقافياً لا يستهان به فضلاً عن تحصيله العلمي. وهكذا كانت الجامعات العراقية الثلاث في بغداد والموصل والبصرة تتلقى سنوياً أفواجاً من الطلبة مزودين بمؤهلات تتجاوز حدود المنهج المدرسي وتهيأ للبلد أجيالاً من حملة مشاعل العلم والأدب والثقافة. وبدأت هذه الصورة بالانقلاب مع انقلاب 17 – 30 تموز، وابتدأت عملية تفكيك تدريجية ومتعمدة للمكتبات المدرسية وتخفيض المستوى المعرفي والتربوي للطلبة ولم تتوقف. ولذلك يبدو الكلام عن مثل هذه الإمكانات التي كانت متوافرة لطلبة الأمس غريبة الوقع على مسامع طلبة اليوم وعلى مسامع شعبنا بعد نصف قرن من الزحف المعاكس للتطور والمدمر للمعرفة والكرامة الإنسانية والإحساس بالمواطنة الحقة. وقد تسألني ما علاقة هذا الحديث عن مدارس ما قبل 1968م ومكتباتها مع مشروعي العلمي الأول كتاب "عقائد ما بعد الموت..."، فأقول لك أن هذا نبع من ذاك الظرف، وأنا ما كنت لأنجز هذا المشروع لولا ما تسلحت به في مرحلة ما قبل الدراسة الجامعية. كنت طالباً في ثانوية علي الغربي، وفي الوقت نفسه توليت أمانة مكتبتها لثلاث سنوات تحت اشراف مدرسي اللغة العربية. وفي ظل ما نعيشه اليوم قد لا يصدق أحد أن عدد كتب تلك المدرسة كان يتجاوز سبعة آلاف! وكان نظام المكتبة المدرسية حينذاك يقضي زيارة تفتيشية سنوية يقوم بها أمين عام المكتبة الوطنية في بغداد لتفقد المكتبة والتحقق من درجة الاعتناء بها وتطويرها. وأذكر أن الأمين العام الذي كان يزورنا هو الأستاذ نهاد عبد المجيد الذي كان يعقب كل زيارة له كتاب شكر وتقدير لما كان يجده من عناية بالمكتبة وتواصل الطلبة معها. وكان معنا تشجيع نخبة من المدرسين الأكفاء وحوارات غنية معهم، ومن هؤلاء المدرسين الذين لا ينسون الأستاذ موفق عمر علي والأستاذ الشاعر شاكر البدري (المحامي فيما بعد) والأستاذ لطيف بطرس والأستاذ حميد محمد حسن (حامل الدكتوراه في الآثار لاحقاً). وكنت التهم أمهات الكتب في تلك المكتبة، وفي المكتبات العامة المزدهرة حينذاك، التهاماً. وحين بدأت دراستي الجامعية في تخصص الآثار انكببت عليها وأنا أطوي في فكري ووجداني ما قرأته سابقاً، ومن بين ما قرأته كل ما كتبه الأستاذ طه باقر وكل بحوث مجلة سومر، وكانت من بين أرقى المجلات العلمية العالمية. وأنا هنا لا أبكي على الماضي، ولكني ألعن الحاضر بكل بؤسه ودجاليه ومدعي المعرفة فيه، واستشرف المستقبل من خلال مثقفين لم يخدعوا وشباب لم يفسدوا، ولي تواصل يومي لا ينقطع مع أقمار المستقبل هؤلاء. ومن هذا التواصل استمد كل القوة التي تمكنني من مواصلة البحث والنشر والعمل الذي لن يتوقف حتى "تملأ كأس العمر كف القدر"، رغم جحود من تجنبته النجابة ومن تنمر وأساء بجهله وبهتانه ودرجة أدبه المتدنية.

كنت أدرس وأتفوق في دراستي الجامعية لعلم الآثار، وأكمل مشروعي في القراءة العامة التي أنجزت الكثير منها في مرحلة ما قبل الجامعة. ومن بين ذلك، فضلاً عن المراجع الخاصة بالآثار والحضارة، كتب التاريخ والأدب والفلسفة والاجتماع والسياسة والقانون. وكان للمكتبة المدرسية والمكتبات العامة في كل مدينة عراقية قبل عام الانقلاب (1968م) الفضل في أنني أنجزت معظم مشروعي للقراءة قبل سنوات من البدء بمشروعي للكتابة. ولولا ذاك المشروع لما كان هذا المشروع. وما هو أكثر جمالاً من أن تكون قد قرأت للطبري والاصفهاني والمنفلوطي وعبد الرزاق السنهوري وسلامة موسى وجرجي زيدان وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة ونجيب محفوظ وتشارلز ديكنز والأخوات برونتي وميشال زيفاكو ونيتشه وكافكا وفكتور هوجو والبير كامو وأرنست همنغوي ثم تدرس علم الآثار والحضارة وبعدها تبدأ الكتابة متسلحاً بما قرأت وبما درست.

 وما العلاقة فيما بين ذلك الطيف من القراءات مع دراسة معتقدات ما بعد الموت في هذه الحضارة الرائدة الخالدة.

أقول لك أن من يبحث في علم الآثار ويدرس الحضارات القديمة لا بد أن يكون متسلحاً بثقافة عامة تشمل مختلف جوانب الحياة، وإلا كيف يستجلي كوامن حضارة سبقتنا بآلاف السنين وكانت زاخرة بالمنجزات الكبرى في كل مجالات الحياة من أدب واقتصاد ومعتقدات وعلوم وقانون وتاريخ وسياسة وفنون وعمارة وإدارة وجميع الممارسات الحياتية. أن تدرس مثل هذه الحضارة تتعلم الكثير، غير أنك إذا أردت الكتابة عنها يجب أن تفهمها، ولكي تفهمها لا بد لك من امتلاك قاعدة ثقافية تشمل مختلف نواحي الحياة، وهذه القاعدة لا تكون قربة منفوخة ومزيد من الصخب، بل ذهن ممتلئ وتعمق في المعرفة العامة. وهذه نصيحتي للمتخصصين الشباب أن لا يتجهوا لدراسة الحضارة عزلاً من سلاح الثقافة وأن لا يغرفوا من بئر ليس فيها سوى نزر من الماء ليسقوا الناس، فحينها لن يكون سقياهم غير نقيع الوحل وإن عجن بعسل الكلام. فلا تنس أنك تتعامل مع الحضارة والحضارة هي كل ما أبدعه وأنجزه وفكر به أناس ليس لك الفرصة لتتحدث إليهم أو تسمع أصواتهم. فكيف تفهم نتاج يومهم وأنت لم تدرك نتاج يومك؟

اخترت موضوع الموت والمعتقدات الخاصة به لرسالتي للماجستير في العام 1972م بعد أن أنهيت السنة التحضيرية وقابلت اللجنة المختصة لتحديد موضوع الرسائل. وحالما طرحت الموضوع حصلت الموافقة عليه وعلى إشراف الأستاذ طه باقر على البحث، وكان هذا ما تمنيته. وخلال عملي على البحث استحضرت كل قراءاتي وكل ما أملك من رصيد معرفي واطلاع على طرق البحث العلمي. حينها كانت الدراسات العليا في العراق في بداياتها، وما نشر باللغة العربية في تخصص الآثار وحضارة وادي الرافدين قليل جداً. وإذا اطلع المرء على الكتاب سيجد أن مجموع الكتب العربية التي استعملتها مراجع كان أربعة فقط مع خمسة بحوث منشورة، والكتب المترجمة خمسة وبحث واحد منشور. في حين أن الكتب الأجنبية من مراجع هذا الكتاب كانت تسعون باللغة الإنجليزية وثلاثة باللغة الألمانية. أما البحوث المنشورة فهي سبعة باللغة الإنجليزية.

إن اختيار عقائد ما بعد الموت مدخلاً لي في مجال البحث العلمي عن حضارة وادي الرافدين بني على أساس المساحة التي يشغلها الموت في الفكر الإنساني عموماً وفي كل حضارة من حضارات الإنسانية، القديمة والحديثة على حد سواء. فالموت هو الحقيقة المطلقة التي تواجه المجتمعات البشرية في كل زمان ومكان، وهو الحقيقة التي ينفرد الإنسان في معرفة أنه ملاقيها في يوم ما من غير خلاص منها. ومن أجل فهم نسيج حضارة ما ولحمتها علينا أن نفهم مفهوم ابنائها عن الموت وردود فعلهم إزاء حدوثه. في وادي النيل كان الموت محور الحياة وعنوان حضارتها، فكان السؤال الذي حاولت الإجابة عليه في هذا الكتاب هو عن المساحة التي شغلها الموت في حضارة وادي الرافدين التي كان محورها التوثيق المدون. وكانت وسيلتي لتحقيق هذا الهدف معرفة ما فعلوه في مواجهة الموت وما دونوه عنه والتعريف به.

 وما النتائج التي توصلت اليها؟

من النتائج التي توصلت إليها في كتاب "عقائد ما بعد الموت..." دحض فكرة وجود ما عرف باسم "الزواج المقدس" أو "البغاء المقدس"، وهي ممارسة إغريقية نسبت إلى حضارة وادي الرافدين بناء على تفسير أسطر من بعض نصوص الأساطير. وقد تضمن الكتاب أدلة علمية تنفي وجودها في بلاد الرافدين. ومن النتائج الأخرى المهمة تصحيح المفهوم السائد عن عبادة تموز وعشتار وموضوع الإلهة الأم وإله الخصب.

ولأن هذا الكتاب كان "مدخلاً" فكان لا بد لي من مواصلة البحث في مسارين متصلين به. الأول التعمق في دراسة جوانب أخرى لموضوعه، والثاني التوسع في دراسة ما يتصل به من مواضيع أخرى. ولذلك أعقبته بكتابي الآخر "عقائد الحياة والخصب في الحضارة العراقية القديمة" (صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت في العام 2002م) الذي تناولت الصفحة الأخرى المكملة لموضوع عقائد الموت وما بعده. لم ينته البحث عند هذا الحد إذ عدت لمعالجة جدلية الحياة والموت والأفكار التي قدمتها هذه الحضارة المبدعة عنها فكان كتابي التالي "الحياة والموت في حضارة بلاد الرافدين القديمة" الذي صدرت الطبعة الأولى منه عن دار الخريف للنشر والتوزيع في دمشق في العام 2005م، والطبعة الثانية عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد في العام 2018م.

ثم حتى تكتمل الصورة، كان من المفيد والمهم أن ينتقل البحث إلى الأثر المادي للممارسات الخاصة بالموت والشعائر فتوجهت إلى انجاز كتاب آخر في سلسلة الحياة والموت، فصدر كتابي "المدافن والمعابد في حضارة بلاد الرافدين القديمة". كانت الطبعة الأولى من هذا الكتاب قد صدرت بجزأين عن دار الخريف للنشر والتوزيع في دمشق في العام 2006م، وصدرت الطبعة الثانية موحدة في كتاب واحد عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد في العام 2019م. وما كان للسلسلة أن تكتمل بدون النص الخالد لملحمة جلجامش التي جاءت ترجمتها العربية الأولى للنص المسماري الأكدي في كتابي "ملحمة جلجامش: ترجمة النص المسماري مع قصة موت جلجامش والتحليل اللغوي للنص الأكدي"، وكانت طبعته الأولى في دمشق عام 2006م، والثانية في بغداد عام 2017م. ولم تكن مصادفة أن تنتهي هذه السلسلة بترجمة النص السومري لقصة موت جلجامش في هذا الكتاب على الرغم من أنها ليست جزء من الملحمة، ولكنها خاتمة مناسبة للموضوع لكي يختتم بها ذلك الكفاح المضني والعقيم لجلجامش من أجل تجنب الموت ونيل الخلود.

 كنا قرأنا في التسعينيات عن وجود مشروع موسوعة تقوم به. ماذا انجزت من هذه الموسوعة؟ وما هي العقبات التي تعترض انجاز المشروع؟

هذا صحيح. ففي تسعينيات القرن الماضي تجمعت لدي مادة علمية غزيرة، وفي ذات الوقت لم يكن لدي ميل لنشر الكتب أو المشاريع الموسوعية لعدة أسباب، منها العلمية ومنها ما له صلة بالواقع السياسي والجهود التي كان يبذلها البعض لإقصائي ومنعي من النشر. في مجال علم الآثار وحضارة وادي الرافدين لم ينجز في العراق مشروع علمي رصين لموسوعة حقيقية. طبعاً لا ينطبق هذا المصطلح على عملين تجميعيين أعدا في الثمانينيات بإشراف وزارة ثقافة وإعلام النظام السابق. وقد اعتمد هذان العملان على تكليف كل أستاذ جامعي مختص بكتابة مقالة عن موضوع محدد. هذه كانت أعمال موسوعية وليست موسوعة حقيقية تعتمد المداخل المرتبة بحسب تسلسل الحروف العربية المعجمية. لقد ملأ هذان العملان فجوة صغيرة في الفراغ المعرفي الهائل الذي يخص حضارة وادي الرافدين، وقدما معلومات أفضل مما انهمر من مؤلفات كتبها، ويكتبها حالياً، أشخاص غير مختصين ولم يسبق لهم أن كتبوا بحثاً علمياً واحداً في هذا التخصص، ولكنهم أمطروا الناس بكتب تتجاهل أسس البحث العلمي الرصين وتغفل مصادر المعلومات التي استقوها، لأنها اعتمدت على الغرف من كل كتاب بالإنجليزية وقع في أيدي مؤلفيها. وكما عبر أحد هؤلاء حينما سئل عن مصادره فأجاب بأنه هو نفسه مصدر كتاباته!! وهذا ما لم يجرؤ أكبر العلماء المختصين على قوله، فكيف يقوله شخص بلا دراسة في التخصص؟ وللأسف الشديد خدع الكثير من المثقفين بكتابات هؤلاء الأشخاص.

فيما يخصني فضلت أن أبدأ في التسعينيات بنشر سلسلة كتب تمهد للموسوعة التي هيأت آنذاك جزء كبيراً من قاعدة معلوماتها، وفضلت تأجيل نشر الموسوعة لحين اكتمال المعلومات الخاصة بها على الرغم من وجهات نظر مختلفة لأصدقاء كثيرين اطلعوا على ما كنت أقوم به. ومن هؤلاء الأصدقاء الأعزاء الذين زاروني في الديوانية وعرفوا عن كثب تفاصيل مشروعي الأستاذان ناجح المعموري، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في العراق حالياً وهو ما يزال يتابع مشاريعي ويشجع على أن ترى النور، وباسم عبد الحميد حمودي، وكلاهما كتب عما وجدني أعمل عليه.

أما الكتب التي عملت على نشرها حينذاك فقد شملت "عقائد الحياة والخصب..." و "المعجم المسماري"، وتعاقدت مع بيت الحكمة على طبع "شريعة حمورابي: ترجمة النص المسماري مع الشروحات اللغوية". ولكن ما أن صدر الجزء الأول حتى بدأ الاحتلال الأميركي للعراق فأحرق بيت الحكمة واحترقت نسخ ذلك الجزء ونهب بعضها. انتقلت إلى سورية مع مسودات كتبي غير المنشورة. وابتدأت هذه الكتب بالصدور في دمشق، ومنها شريعة حمورابي (بخمسة أجزاء)، الحياة والموت...، ملحمة جلجامش، المدافن والمعابد، حينما في العلى، مدن قديمة ومواقع أثرية، وحقيقة السومريين...

خلال وجودي في سورية وعملي أستاذاً في جامعة دمشق وفي معهد الآثار والحضارة ساهمت في الكتابة في الموسوعة العربية حتى انجازها. وحين قدمت دراسة لاستحداث مشروع الموسوعة المتخصصة في الآثار السورية وتمت الموافقة عليه انضممت إلى هيئة هذه الموسوعة وتوليت رئاسة قسم العصور التاريخية فيها. وحينما عدت إلى العراق كنت متهيئاً للشروع ثانية في مشروع الموسوعة التي قسمتها إلى أربع موسوعات متخصصة وبدأت العمل في أولاها (موسوعة المدن القديمة).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

أوليفييه نوريك يحصل على جائزة جان جيونو عن روايته "محاربو الشتاء"

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram