علي حسين
إذا أردت أن تعرف كيف تُدار السياسة في بلاد النهرين، فإن مشاهدة اللقاء الأخير الذي أجراه أحمد الملا طلال مع القيادي السابق في حزب الدعوة والباحث السياسي حاليا صلاح عبد الرزاق، تكفيك لتقف على أبعاد الخراب الذي عشنا فيه خلال السنوات الماضية.
خاطب صلاح عبد الرزاق القوى الفائزة في الانتخابات متوعدا وهو يقول بكل أريحية "ليس لدينا مشكلة في تشكيل حكومة أغلبية، ودفع المالكي إلى المعارضة، لكن هذا سيعني استجوابات يومية للحكومة، خاصةً مع فوز حنان الفتلاوي وعالية نصيّف" !! .
ربما نختلف أو نتفق مع السيد صلاح عبد الرزاق، لكن علينا مع هذه اللفتة المتميزة أن نؤمن بأن الرجل يتمتع بروح الفكاهة والدعابة، إضافة إلى صفة الإصرار وعدم اليأس، والدليل على ذلك أنه لا يزال يقسم بأغلظ الأيمان أنه أراد تأسيس دولة مدنية، لكن الأحزاب الدينية لم تسمح له.
بعد مشاهدة صلاح عبد الرزاق، أيقنت أن العراقيين، نساءً ورجالاً، يستحقّون الجنّة، لسبب أساسي، هو أنهم يتعرضون للكذب والنفاق والخديعة كلّ يوم وعلى مدى عقود طوال .
كم هي بسيطة هموم العراقيين، أن يعرفوا مثلاً لماذا يصر تيار الحكمة على أن توزع المقاعد في البرلمان على طريقة "هذا لك وهذا لي"؟. ولماذا أصبح 40 في المئة من العراقيين فقراء حسب تقارير المنظمات الدولية؟ لماذا يموت مئات الآلاف من العراقيين في دروب الغربة؟ هذه الأسئلة وعشرات مثلها لن نجد لها أجوبة في قاموس السيد صلاح عبد الرزاق، فهو مشغول البال بين معارضة تتناوب عليها عالية نصيف وحنان الفتلاوي، وبين كعكة "دسمة" يجب تقاسمها بالتساوي.
السيد صلاح عبد الرزاق مصر على أن يكون ائتلاف دولة القانون حاكماً ومعارضاً في الوقت نفسه، وأن يكسب رضا الحكومة والمواطن طوال الوقت، فيما المطلوب منه أن يتخذ موقفاً، واضحاً ومحدداً، مما يدور حوله.
صحيح أننا نعيش عصر السخرية النيابية التي طالت كثيراً، إلا أن سخرية عن أخرى تفرق، فهناك من يسخر معنا وهناك من يسخر منّا، وهناك من يريد أن يجمع السخرية بالتسلية، وإلى هذا النوع تنتمي معارضة صلاح عبد الرزاق .
هكذا وبكل بساطة يخترع لنا البعض كل يوم حكاية جديدة كي يلهي بها الناس عن الخراب الذي يحيط بهم، إنها قمة السخرية. غير أن المحيِّر أكثر هو هذا التناقض الواضح بين أن تعلن معارضتك للحكومة، وفي الوقت نفسه تستولي، وبالمحاصصة، على مناصب في كل مؤسسات الدولة. بين الدفاع عن حقوق المواطنين، وبين القتال العنيف من أجل حصتك في الكعكة الحكومية، ناهيك عن تناقضات أخرى مضحكة بين سيل الكلمات الحماسية عن حق المواطن، والخدمات، والديمقراطية، وبين الخراب الذي يحاصرنا من كل مكان .