عدنان حسين أحمد
تشترك مصر في الدورة التاسعة لمهرجان زاكورة السينمائي لعام 2021م بخمسة أفلام تتنافس على جوائز المهرجان الست وهذه الأفلام هي «حالة طارئة» للمخرج عبدالله عادل، و»جارٍ تحميل الحلم» لأحمد عبدالعليم قاسم، و»مصرية» لأسماء جمال، و»إحنا البهجة» لياسر عطية، و«رحلة العقباوي» لأيمن صفوت،
مناط دراستنا النقدية الراهنة التي تستكشف جماليات هذا الفيلم الذي يحرث في أرض عذراء لم يمسسها أحد، إلاّ ماندر، في عالم العربي، وربما تكون مصر سبّاقة في هذا الجانب ولعل فيلم «رحلة العقباوي» للمخرج أيمن صفوت هو خير نموذج لما نذهب إليه.
فلقد رصد بواسطة هذا الفيلم القصير التي تبلغ مدته 14 دقيقة أسرة محمد العقباوي التي اتخذت من صيد الحيوانات البرية كالأفاعي والعقارب والأرانب والأبراص والضفادع مهنة لها، وقد تخصصت في هذه المهنة وباتت تزوّد الجامعات ومراكز الأبحاث العلمية بما تحتاجه من حيوانات بريّة أو منزلية كالفئران بأنواعها المختلفة. يركز المخرج في هذا الفيلم على محمد العقباوي الذي كرّس حياته لصيد الحيوانات البرية منذ سن الثالثة عشرة وصار خبيرًا بها بعد تجارب عمل متواصلة قاربت الخمسين عامًا توزعت في بقعة جغرافية تمتد من مديرية البحيرة شمالاً، مرورًا بالفيّوم والفرافرة وسيوة وانتهاءً بأسوان و «بحيرة ناصر». أمّا أوّل الحيوانات التي اصطادها محمد العقباوي فكانت الثعابين والضفادع التي يزوّد بها جامعة القاهرة. وهناك نوعان من الضفادع على حد وصفه، الأول مخصص للتشريح في الجامعات المصرية، والثاني يصدّر إلى فرنسا للأكل. وبعد عشرين عامًا من ممارسة هذه المهنة التي لا تخلو من مخاطر حصل العقباوي على بطاقة ضريبية وسجل تجاري. ثم تطور مشروعه حتى وصل إلى تزويد الجهات المعنية بعشرة آلاف أو خمسة عشر ألف عقرب في الدفعة الواحدة. ثم يتحدث عن بعض أنواع العقارب وعدد المرات التي تعرّض فيها للسعات في يده وقدمه والطرق البدائية التي يستعملها في العلاج كتناول البصل، وشرب الشاي المُرّ، وإيقاد النار حول الشخص الملسوع، ذلك لأن المستشفيات والمراكز الصحية تبعد قرابة 300 أو 400 كم عن المناطق التي يصطادون فيها هذه الحيوانات البرية.
يؤكد العقباوي بأنه يمسك الأفاعي بيده ولا يستعمل أدوات الصيد لأن الأفعى لها مسكة خاصة، وهو يستعمل عصا صغيرة يضغط بها على رأس الحيّة، ويمسكها المسكة الصحيحة، فغالبية الأفاعي يجب أن يكون فمها مفتوحًا لكن الكوبرا المصرية يجب أن يكون فمها مغلقًا، لكنه، مع الأسف الشديد، لم يوضح السبب، وربما لأن بعض الأفاعي تنفث السم لمسافة متر ونصف المتر أو يزيد فتشكّل خطرًا داهمًا على الصيّاد. يفضل العقباوي الخروج للصيد في أول الصبح أو آخر النهار حتى يرى آثار حركتها على سطح الرمل وكلّما رتفعت الشمس ضاع الأثر. لا يستغني العقباوي عن بعض الأدوات العملية التي يحتاجها مثل المجرفة التي يزيح بها الرمال، والأكياس المخصصة للأفاعي التي يتم اصطيادها. قد تستغرق مدة الصيد إلى عشرة أيام فلاغرابة أن يصطحبوا معهم الأكل والمياه التي تكفيهم طوال هذه المدة.
وبما أنّ الابن على سرّ أبيه فإن مصطفى قد تعلّم من والده مهنة صيد الحيوانات البرية التي ألفها منذ الصغر وكان يلعب مع الأفاعي غير السامة ويمكسها من دون أن يشعر بالخوف. وقد استقى من والده الكثير من المعلومات وصار يميّز الأفاعي السامة من الأفاعي غير السامة، ويعرف الطريقة المُثلى لاصطيادها، فأحبّ عملية الصيد وتعلّق بها، وصارت شغله الشاغل، وقد دفعه هذا التعلّق إلى إنشاء مزرعة للفئران تضم أنوعًا كثيرة من بينها البلاك ماوس، والهامستر، والبينو الدولي وبدأ يسوّقها إلى الجامعات والمراكز العلمية في القاهرة وبقية المدن المصرية. ومن خلال تجربته في تسويق الحيوانات تبيّن له أن الطلب على الأبراص Geckos كان كبيرًا جدًا.أمّا شقيقه سامي الذي يميل إلى صيد هذه الأبراص فقد جمّع الكثير من المعلومات عن هذا الحيوان وهو يأسف لأن عامة الناس تقول بوجوب قتل هذا الحيوان لكنهم لا يدركون أهميته في توازن البيئة لأنه يتغذى على بعض الحشرات كما أنه يصدِّر أنواعًا مختلفة منها “البِتري وأبو عين الواسعة، وأبو أربع نقط” إلى خارج البلد. كما يؤكد على ضرورة الحفاظ على هذه الأنواع النادرة من الأبراص وعدم الإفراط في اصطيادها وتصديرها.
يعاود الأب محمد العقباوي الحديث عن طرق الصيد، واشتراطات التصدير بعد الحصول على موافقات وزارة الزراعة، وأجهزة حماية البيئة التي تحدد ما يمكن اصطياده أو ما يمكن تصديره. يؤكد العقباوي بأن هناك 39 نوعًا من الأفاعي لكنه لم يسند هذا العدد بوثيقة علمية، ثم يزودنا ببعض المعلومات المتأتية من خبرته الطويلة فيذكر لنا الاسم المحلي لأفعى الـ Boa وهو “دسّاسة صعيدي” التي تعيش في الفيّوم، وبني سويف، ويقول بأنها غير سامة، وكذلك أفعى “أرقم” التي تعيش في بيوت الناس وهي غير سامة أيضًا، لكنه يحذّرنا من “الحيّة الحمرا” التي تتواجد في الفيّوم والفرافرة وسيوة وإذا ما لدغت أحدًا فإنها تسبب له سيولة في الدم، وهي على حد وصفه “تخلّي الدم زي الميّة” وتتواجد في الجبل الشرقي والغربي لغاية مدينة أسوان. كما ينبّه إلى الكوبرا المصرية التي تُعد من أخطر أنواع الثعابين. ينتقد العقباوي ظاهرة الصيد الجائر للصقور والغزلان التي كان يصادفها في البراري كلما خرج في رحلة صيد، أما في السنوات الأخيرة فقد قلّت هذه الحيوانات ونادرًا ما يراها في رحلاته إلى الواحات والمضارب الصحراوية. ما يميز هذا الفيلم الوثائقي الجميل هو زخم المعلومات الكثيرة التي نسعمها عن حيوانات برية ومنزلية متعددة في مدة زمنية قصيرة جدًا وكنا نتمنى، كمشاهدين، لو أنّ الفيلم كان أطول من هذه الدقائق الأربع عشرة التي مرّت مثل حلم خاطف. ونتمنى على المخرج أيمن صفوت أن يطوّر اهتمامه بهذا النمط من الأفلام الوثائقية الجذابة التي تبهر المتلقي وتحقق له المتعة والفائدة العلمية في الوقت ذاته.
جدير ذكره أنّ أيمن صفوت تخرّج في المعهد العالي للسينما، قسم التصوير. أخرج وصوّر عدة أفلام من بينها “مولد جبل الطير”، “رحلة العقباوي”، “مملكة الحسين”، و “صالونات”.
جميع التعليقات 1
أيمن صفوت زكي
تحليل ونقد ممتاز للفيلم تحياتي مخرج الفيلم/أيمن صفوت زكي