علي حسين
عندما دخل الجنرال ديغول باريس منتصرا بعد الحرب العالمية الثانية، كان من بين أوائل التوقعات أن يذهب الى قصر فرساي ليحيي الجماهير التي وقفت طوابير تهتف باسمه، لكنه غير مسار طريقه ليتوقف أمام تمثالين، الأول لكليمنصو الذي وقع وثيقة النصر في الحرب العالمية الأولى،
والثاني لنابليون الذي وقع على بنود هزيمته، وحين شاهد الحيرة على وجوه مرافقيه، بادرههم بالقول: "المستقبل للمنتصر، لكن علينا أن لاننسى دروس الهزيمة"، وكانت تلك بالنسبة لقادة الجيش مفاجأة، فهم كانوا يريدون أن يقولوا للجنرال إنهم خاضوا معارك التحرير من أجل نسيان الماضي، لكن الجنرال كان يعرف جيداً أن الحروب مثلما تخلق الزهو والانتصار فهي أيضا تبعث على الأسى والموت، ذات يوم يدخل في جدال مع رئيس زرائه جورج بومبيدو حول متطلبات المستقبل، فيقول له: لا تنس أن بناء الأوطان أصعب من حروب التحرير.
منذ سنوات تكررت ظاهرة لا وجود لها إلا في هذه البلاد المغرقة بالخطابات والشعارات، تتلخص في محاولة البعض أن يهين الجيش ويطمس دوره في معارك التحرير، وفي كل مرة تغيب صورة الجندي العراقي فيما يصر البعض على أن يجعل من الجيش الرقم الثاني في المعركة.
عندما كنا ننتقد أداء الأجهزة الأمنية ونطالب بالحفاظ على قيمة الجيش والقوات الأمنية، فهذا لأننا نريد جيشاً وطنياً يكون للعراق والعراقيين جميعاً بعيداً عن الانتماءات الحزبية، لا جيشاً يدافع عن فشل الغراوي ويهتف باسم كنبر، ويأخذ التحية لقادة فاشلين من الذين ظلوا يهزجون بشعارات دعم القوات الأمنية طالما هي تتركهم يفعلون في البلاد ما يشاؤون.. كنا ننتقد الجيش لأننا ندرك جيداً خطورة أن يتورط في لعبة السياسة، فيصير طرفاً في معارك يمكن أن تحل بلغة الحوار لا بلغة الحروب.
اليوم وغداً سنرفع شعار "حافظوا على الجيش العراقي من أذناب الفاشلين، ومن السياسيين الفاشلين الذين يحلمون أن تكون هذه القوات داعماً لهم للسيطرة على مؤسسات الدولة، حافظوا على الجيش من الذين يتخيلون أنه حل لمشاكلهم".
اليوم من حقنا أن نطالب بأن يكون للجيش الدور المحوري في في هذه البلاد، وأن لا نسمح بأن يخرج علينا شخص يطالب بالقصاص من الجيش ويصرخ "الساعدي من حصتي"، ويقصد عبد الوهاب الساعدي، في مثل هذه اللحظات علينا جميعاً أن ندرك، أن بناء البلدان لا يتم بتهديم مؤسسات الدولة، ولا بسيطرة مجموعة على مقدرات الوطن.
بعد خروجه من الرئاسه ذهب ديغول إلى قرية في الجنوب كي يكون بعيداً عن السياسة هناك يكتب علمتني تجربتي في ميدان الحروب، أن الانتصار ليس أرقاماً بعدد القتلى، بل هو ذكريات عن الرجال الذين يصرون على أن يجعلوا من هذه الحرب عنواناً لحياة جديدة.