عمـار سـاطع
لم يشهد ميدان تدريب كرة القدم في، حالات من الفوضى والاستخفاف والتخبّط وافتقار للمهنية، مثل هذه الفترة التي نعيشها!
وحينما نقول حالات، فإننا لا نريد هنا أن نُعمم بقدر ما نحاول أن نشخّصه من مخلّفات وتبعات لقضايا تتعلّق بالعمل التدريبي وطرق القفز على الحقيقة والواقع والتسلّق باتجاه الحصول على فرص العمل أو الاشتراك بالاطاحة بمدرّبين أو الدخول في مهاترات في برامج رياضية بقنوات فضائية بهدف التسقيط أو النيل من هذا وذاك، ناهيك عن اسلوب عرض العضلات بطريقة أقرب لأن تكون "ساذجة" إن صحّ التعبير أو الالتفاف على اسماء تدريبية!
لقد وصلنا الى مرحلة تجاوز فيها عدد من المدربين موضوع البحث عن فرصة عمل بنادٍ يلعب في الدوري الممتاز، بل وصل الحال بالبعض من المدربين الى تبنّي قضية تقديم عروض العمل لانتشال المنتخب الوطني من حالته الفنية وقيادته للمرحلة المقبلة، بمقابل محاولات الكثير من الاسماء الوصول الى تبني مشاريع الاصلاح، من دون النظر بالقاعدة الحقيقية التي يفترض التي ينطلق منها كل مدرّب ويتدرّج ليصل الى حافّة النجاحات بعد أن يكون قد مَرَّ بمحطّات كثيرة وصار تجاربه التدريبيّة مثالاً واضحاً وشاهداً لما سجّله من نتائج متميّزة!
لا أشكّ بقدرات مدرّبينا أبداً، بل أنني كنتُ من أشدّ المعارضين للتعاقد مع المدربين الأجانب، لأنني أؤمِن بقضيّة مهمّة، وهي أن العقلية التدريبيّة والفكر الناضج في العراق والاسماء التي نملكها يمكنها أن تفلح في مساعي انقاذ كرتنا من التراجع أو الاستقرار في مواقع محدّدة، وخير دليل أن أغلب انجازاتنا كانت على أيدي مدرّبينا الأفذاذ منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وحتى العقدين الماضيين، كلّها كانت بفضل الكفاءة العراقية التي أبدعت في زمن كان من الصعب جداً أن يكون للمدرّب مساحة من الحرية أو اتخاذ القرار!
وحينما نذكر الانجازات التي سطرتها أسماء تألّقت وتعملقت، فعلينا أن نعود الى سجل البطولات التي تكشف لنا مدى الابداع في ملاعب عربية واقليميّة وقاريّة وحتى أولمبية، بمقابل ما وجده الكثير من مدرّبينا من اجحاف واضح وقلّة الاهتمام وتقليل من المُنجز، على العكس من "البحبوحة" التي تمتّع بها جميع المدرّبين الأجانب، وما وجدوه من "دلال" لما يصل الى عُشرهِ أيّاً من مدرّبينا الذي قدّموا كلّ شيء ولم يحصلوا سوى على القلّة القليلة، مقارنة بالأجانب الذين عملوا على تكملة مشوار مواطنينا في كلّ حقبة من حقبات التغيير التي ضربت معاقل العمل التدريبي في منتخباتنا الوطنية!
القضية الأبرز التي أبغي أن أصل اليها هو ما وصل اليه حال مدرّبينا وما يواجهونه من مشاكل كبيرة تفرض عليهم قيوداً، ربما لم ولن يواجهها كل مدرّبي كرة القدم في العالم، القضية تتلّخص بأن يصبح مدرّبونا على الهامش، ويكون التعامل معهم بهكذا أسلوب مسيء للمهنة ويصبح الشمّاعة التي تُعلّق عليها أخطاء إدارات الأندية أو سقف طموحاتها التي لا تحدّها حدود معينة، أضف الى ذلك التفكير الذي يطغي على الاتفاق والعقد المُبرم من الطرفين (إدارة النادي ومدرّب الفريق) بحيث يصبح هو الحلقة الأضعف، بل والطرف الذي يتحمّل مسؤولية الإخفاق أو الخسارة!
كيف بِنا أن نتقبّل أن قضية أن تضع إدارة النادي ثقتها بمدرّب وبعد أيام أو اسابيع يصبح المدرّب هو المخطئ والمذنب في كلّ ما جرى، كيف به أن يعمل من دون أن تكون هناك أدوات فعّالة واختيارات محدودة؟ كيف له أن يعمل وسط اجواء التكتّلات والاقنعة التي تظهر هُنا وهناك بهدف إبعاده والمجيء بمدرّب بديل؟ كيف بِنا أن نتقبّل مثلاً أن تتمّ إقالة مدرّب وهو في الصدارة وكيف بنا ان نهضم خسارة فريق أمام منافِس بهدف ويكون المدرّب هو الضحيّة في نهاية المواجهة!
في اعتقادنا إن مِن بين اسباب ما يحدُث من تراجع في مسيرة الكرة العراقية على الاطلاق، هو الافتقار الى الاستقرار وفقدان الثقة والتسرّع في البحث عن النتيجة، وهذا أمر يوصلنا أيضاً الى قناعات جديدة هو أن السماسرة والوسطاء يتلاعبون بكل مقدّرات كرتنا هذا الى جانب تسلّق من هبَّ ودبّ الى مواقع القرار في إدارات الأندية وتواجد بعض الهواة والمشجّعين في قمّة هرم الكثير من الأندية والعقليّات التي لا تتقبّل عنوان البناء وتعترف بالفوز لا غير!