لطفية الدليمي
صار اطلاعي على موقع أمازون الالكتروني للكتب ، ومنذ سنوات ، بعض تقاليدي الصباحية . أفتح نافذة الأمازون (لأتنفّس) نسيم الكتب الجديدة حتى لو كانت إفتراضية، وأروح ساعاتٍ أدقق في هذا العنوان
وذاك ، أفتحُ الـ Preview الخاص ببعض الكتب وأطالع قائمة محتوياتها وبعض الصفحات الاولية المتاحة التي يجود بها علينا الأمازونيون الرقميون الأفاضل . إنها لعبة تسلسلية قد تستمرُّ ساعات ؛ لكنها ساعات لذيذة ملأى بالترقّب والعيش مع الأفكار ؛ وهل ثمة أجملُ من معايشة الأفكار ؟ لاتنسى ( الخوارزميات ) اللعينة أن تعاضد ( الأمازون ) في لعبة الافكار هذه ؛ إذ عندما تختارُ عنواناً سرعان ماستجد نفسك غارقاً وسط طوفان من العناوين التي تتصادى مع عناوين كتبك .
كنتُ في بداياتي مع البحث الأمازوني الصباحي أقرأ عنواناً لكتاب جديد ، ثم سرعان ماأقرّر ترجمته بعد اطلاعي على بعض محتواه ، ثمّ بعد بضع سويعات تفتنني كتب عديدة أخرى حتى عرفتُ – تبعاً للخبرة المتواترة – أنّ صراعنا مع أمازون محكوم عليه بالخسران لامحالة . كم سنترجم في السنة : كتاب ؟ إثنان ؟ ثلاثة ؟ ثم ماذا بعدها ؟ وحتى لو تشارك ألفٌ من أفاضل المترجمين العرب ؛ فكم سيترجمون ؟ ثلاثة آلاف كتاب مثلاً ؟ ماذا ستكون هذه الثلاثة آلاف كتاب إزاء التسونامي المليوني من الكتب الجديدة ؟ عرفتُ نهاية اللعبة : طالع العناوين الجديدة بقدر ماتستطيع ، إقرأ منها بقدر ماتستطيع ، وانتخب منها ماتراه مناسباً للترجمة وبقدر ماتستطيع . الأمر كله يتحرّك في حدود الاستطاعة البشرية ، وحتى لو صار واحدنا بلدوزراً بشرياً فسيبقى محكوماً بشروط المحدوديات البشرية . نحنُ في النهاية لسنا روبوتات تعملُ بلا هوادة .
وسط شعوري اليومي بعدم قدرتنا على مناغمة الجهد الترجمي مع طوفان المنشورات العالمية الجديدة ( وهو شعورٌ أحسبُ كلّ المترجمين العرب يتشاركونه معي ) قرأتُ قبل بضعة أيام خبراً يفيدُ بصدور ترجمة جديدة – هي الرابعة – لكتاب الإستشراق Orientalism للراحل إدوارد سعيد ، وهذا الكتاب هو بالتأكيد أيقونة سعيد التي نشرها أول مرة عام 1978 ثمّ أضاف لها فصلاً إضافياً ( يسمونه تذييلاً ) في طبعات لاحقة .
تساءلتُ بمرارة : هل من المُجْدي -كسياسة ترجمية - أن نعيد ترجمة كتاب تُرجِم ثلاث مرات من قبلُ ؟ كان الاعلان عن الترجمة الجديدة مشوباً بنبرة احتفائية يُفهَمُ منها تحقيق انتصارٍ ساحق على المترجمين السابقين بالضربة القاضية ، وواقع الأمر ينبئ بغير هذا . نعرفُ تماماً أنّ الدكتور كمال أبو ديب جعل من الترجمة الأولى للكتاب عام 1981 ميداناً تطبيقياً لبعض المناورات اللغوية البنيوية الثقيلة التي لايستسيغها القارئ العربي ولاموجب لها أصلاً ، ثم جاءت ترجمة الدكتور محمد عناني عام 2006 وكانت مقبولة إلى حد كبير وتقدّمُ خريطة لأفكار الكتاب .
يروّجُ الإعلان للترجمة الجديدة للكتاب أنّ هذه الترجمة تذلّلُ كثيراً من الصعوبات المفاهيمية المرتبطة بفهم إدوارد سعيد ومقاربته لموضوعة الاستشراق ودراسات مابعد الكولونيالية بعامة ، وهنا أتساءلُ : هل تستحقُّ بعض التوضيحات المطلوبة من جانب المترجم ( سواء جاءت كهامش أسفل المتن ، أم جاءت كمسرد تعريفي إضافي للكتاب ) إعادة ترجمته ؟ ولماذا كلُّ هذا التسفيه لجهود الآخرين ؟ ألانستطيعُ أن نكبر بأفعالنا من غير تهشيم سوانا ؟ ألم يكن من الأجدى ترجمة كتاب ( جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية ) الذي أصدره الراحل عام 1966 وبقي غير مترجم حتى اليوم ؟
كل كاتب أصيل له بصمته ، وبصمة إدوارد سعيد لاأظنُّ أنّ بوسع مترجم عربي مجاراتها من غير الوقوع في ( مطبات هوائية ) مشتبكة ، وربما كانت مذكراته المترجمة ( خارج المكان ) مصداقاً على ماأقول .
ليس من السياسة الترجمية الناجحة أن نغضّ الطرف عن ملايين الكتب الجديدة في شتى الحقول المعرفية المهمّة ، ثمّ نترجمُ كتاباً للمرة الرابعة حتى لو كان أحد كلاسيكيات المعرفة الممهورة بتوقيع الراحل الكبير إدوارد سعيد .
جميع التعليقات 1
عدي باش
إعادة إصدار بعض الترجمات (المنقحة) يعود لحركة السوق (العرض و الطلب) ، و ليس لإغناء المعرفة بأفكار جديدة