ترجمة :عدوية الهلالي
ماقيمة الثانية ضمن تاريخ بلد عمره الف عام ؟ وهل لحبة الرمل وزن يُذكر ضمن اتساع الصحراء ؟ حول هذه الفكرة الفلسفية تدور احداث آخر افلام اشهر صانعي الافلام الصينيين تشانغ ييمو وهومن " الجيل الخامس " الذي اعقب الماويين ..
يحمل الفيلم عنوان ( ثانية واحدة) وقد عرض في افتتاح مهرجان سان سيباستيان ثم في اختتام مهرجان تورنتو ويعرض حاليا في دور السينما العالمية ، وتدور احداثه حول قصة رجل تعرض للقمع خلال الثورة الثقافية يهرب من معسكر العمل ليحاول رؤية ابنته المفقودة..
اظهرالمخرج تشانغ ييمو المولود في عام 1950 في صباه ولعاً واهتماماً كبيراً بالتصوير والتصميم. وفي عام 1982 وبعد أن تخرج من الأكاديمية السينمائية في بكين، التحق باستوديو غوانغسي السينمائي وفاز بجوائز أفضل تصوير سينمائي ضمن جوائز الديك الذهبي الصيني عن فيلمي "الأرض الصفراء" و"الاستعراض الكبير". ثم توسع في مجال مهنته السينمائية الصينية وحمل أول أعماله في الإخراج السينمائي عنوان "الذرة الحمراء" والذي نال جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي، ثم فاز فيلمه التالي "قصة كيو جو" بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي، وجعلته تلك الجوائز يرتقي إلى مصاف أشهر صانعي الأفلام على المستوى العالمي.
يصف ييمو فيلمه الجديد (ثانية واحدة) بأنه "رسالة حب الى السينما" وفيه يتناول الحاجة الى استذكار الفترة العاصفة في حياة الشعب الصيني ، مشيرا الى ان ساعات الزمن التي تجري بسرعة لابد ان تدفن الماضي معها ، ولكن عندما نأخذ في الاعتبار المشاعر الأكثر حميمية ، مثل علاقة الاب بابنته المفقودة ، فإن كل ثانية من الزمن يصبح لها أهمية. وتخبرنا هذه القصة أنه حتى رمال الصحراء العظيمة التي لا نهاية لها لا يمكن أن تدفن ثانية واحدة مما حدث في الماضي.
يعمل تشانغ ييموعلى حبكة مزدوجة - البحث عن الصورة السينمائية للابنة المفقودة ولقاء الأب مع اليتيم - لإضفاء المزيد من العمق على قصة الغياب والألم والقمع هذه ، مما يجعل الفيلم بمثابة جولة قوية عاطفيا وتاريخيا فهو يدعو الصينيين الى تحمل مسؤولية ماضيهم لان ناطحات السحاب الكبيرة والتقدم التكنولوجي لا يكاد يحجب الثمن الباهظ الذي دفعته أجيال أخرى من المواطنين الصينيين للوصول إلى هذه المرحلة من النمو بمواجهة مصاعب الستينيات ، كما صورها الفيلم. ويبدو أن الواجهة السامية للصين الجديدة تريد سحق ماضٍ غير بعيد كان فيه الجوع والبؤس والقمع والقوة والألم بسبب الانفصال الأسري أمورًا شائعة للغاية. (ثانية واحدة ) هوبضع صورتجسد الحقيقة والاستعارة لقصة يبدو أنها سلكت طريق النسيان. إن الجهد الجماعي لاستعادة الفيلم لحالة البؤس وتقديمها لشعب يبتهج بمعيشته وسط وسائل الترفيه هو ابرز ما في هذا الفيلم ، والذي لن يكون مجرد قصة في الفيلم بل علامة بارزة في تاريخ السينما الصينية الجديدة..
والمعروف أن الأفلام التي أخرجها تشانغ ييمو لها صفات خاصة، فهي مفعمة بالخيالية، وتعبر عن مراقبته الفريدة للمجتمع والحياة. ولكل من هذه الافلام ميزات وأدوات جديدة، جعلته يغير نفسه ويتجاوز نفسه. وفي عام 2008، كان تشانغ ييمو يعمل كمخرج عام لمراسيم افتتاح واختتام أولمبياد بكين. وكان هو وزملاؤه في فريق الإخراج قد منحوا بإرادتهم ومخيلتهم المدهشتين مراسيم الافتتاح لأولمبياد بكين عمقا تاريخيا وقوميا . فنالت مراسيم الافتتاح هذه استحسانا من قبل الأكثرية الساحقة من المشاهدين في البلاد والعالم كله، وثناءا عالميا ــ في الذكرى المئوية لدخول الصين الى مرحلة التحديث واعادة التشكيل، ولم يكن هناك أية فرصة أو أي عرض من شأنه أن يوضح الثقافة الرائعة المشرقة في ما قبل أسرة تشين الملكية ( 221 ـ 207 ق م ) وأسرة تانغ الملكية ( 618 ـ 907 م ) وأسرة سونغ الملكية ( 960 ـ 1279 م ) للعالم بمثل هذه الطاقة الأدبية والفنية الضخمة والكثيفة. اذ قدم ييمو ايضاحا رائعا للحضارة العظيمة للامبراطوريات القديمة والطموح النبيل للجمهورية في النهوض السلمي وقد أثنت الأكثرية الساحقة من وسائل الاعلام الغربية على مراسيم افتتاح أولمبياد بكين، واصفة أياها بأنها أفضل مراسيم افتتاح في تاريخ الأولمبياد.. والمخرج ، المعروف بإنتاجه الغزير واخراجه السينمائي رفيع المستوى في الافلام التي حققت له النجاح ، يبدو هنا أكثر رصانة ، باستثناء المشاهد الصحراوية ، التي تلعب دورًا مجازيًا في ضخامة المشهد. انه يصور البلد في مواجهة سكانها الذين عانوا من معسكرات إعادة التأهيل التي تعرضوا لها. اذ يظهر الجرح العميق للثورة الثقافية ، عندما نرى في الفيلم كيفية إرسال الفتاة الصغيرة إلى معسكر إعادة التثقيف لتحمل أكياس الطحين أو البطاطس،اذ تم إرسال المثقفين ، وطلاب الجامعات إلى الريف لتطهير أولئك الذين كان ينبغي أن يكونوا في السلطة في مواجهة عجز الحكام الماويين في ذلك الوقت ، والذين تسببت إخفاقاتهم الاقتصادية في وفاة ملايين الصينيين ، من خلال المجاعة والقمع...