علاء المفرجي
كان مسقط رأس الشاعر الإيطالي الشهير "دانتي الليجييري" ب"فلورنسا" سنة 1265م والوفاة ب"راڤين" سنة 1321م.
ولقد اشتهر عالميا بعمله الأدبي"الكوميديا الإلهية"، التي اخترقت سمعتها الآفاق، والتي ترجمت إلى معظم اللغات العالمية. ومما نعرفه عن هذا الإبداع الشعري الخيالي، الذي اصطلحنا على تسميته ب"الرسالة الإلهية"، وهو أنها قد ألفت ما بين 1307 و 1321م. وأنها كانت في بدايتها تحمل اسم "الكوميديا" فقط، استجابة للجنس الأدبي الذي بنيت عليه، والذي كان يتأسس على مبدأين: ينبني من جهة على أسلوب لغة دارجة، وسيطة، مفهومة من قبل العموم، ومن جهة أخرى، على النهاية السعيدة التي تتوخاها وتسعى إليها. ويعود الفضل للشاعر والأديب الإيطالي "بوكاس"، الذي جاء من بعد "دانتي" بنحو ربع قرن، في إضافة اسم "الإلهية"،لرسالة "الكوميديا" فأصبحت تعرف منذ ذاك الوقت، ب"الكوميديا الإلهية". والنص المرجعي الأساسي، لهذه الرسالة السماوية، المتواجدة بين أيدينا اليوم، يقوم بالأساس على طبعة "ليدوفيكو دولشِ" المنشورة سنة 1555م بعامية "فلورانسا". ونذكر بهذا الخصوص، بأن اللغة الدارجة التي حررت بها "الكوميديا الإلهية"، قد عملت على توطيد دعائم عامية "طوسكان"، كلغة إيطالية رسمية ناشئة. أما الجذور الحقيقية لهذه المحاولة اللغوية "الدّانتية" التوحيدية، فتتواجد بجزيرة "صقلية".
والملهاة الإلهية أو الكوميديا الإلهية هي شعر ملحمي ألفه دانتي أليغييري ما بين 1308 حتى وفاته عام 1321. تعد الكوميديا الإلهية العمل الرئيسي لدانتي وهي من أهم وأبرز الملحمات الشعرية في الأدب الإيطالي وتعد ترجمة حسن عثمان لها أهم وأوسع ترجمة للعربية، ويرى الكثيرون بأنها من أفضل الأعمال الأدبية في الأدب على المستوى العالمي. تحتوي الملحمة الشعرية على نظرة خيالية بالاستعانة بالعناصر المجازية حول الآخرة بحسب الديانة المسيحية، وتحتوي على فلسفة القرون الوسطى كما تطورت في الكنيسة الغربية (الكاثوليكية الرومانية). تنقسم الكوميديا الإلهية إلى ثلاثة أجزاء: الجحيم، المطهر، والجنة.
ويعد قسم الجحيم الأشهر في هذه الملحمة، ويتألف من 34 مقطعًا أو أنشودة، بينما يتألف كل من القسمين الآخرين من 33، أي أن الكوميديا الإلهية مكونة من 100 مقطع أو أنشودة ككل. وتتألف الملحمة من 14233 بيتاً شعرياً. الملحمة هي عبارة عن رحلة خيالية قام به دانتي في الممالك الثلاث "الجحيم والمطهر والجنة" في الآخرة بحسب أحداث الملحمة استغرقت أسبوع؛ يومان في الجحيم، وأربعة في المطهر، ويوم في الجنة.
ويتألف كل جزء من ثلاث وثلاثين قصيدة، بعدد متساوٍ من الأبيات، مضيفاً أنشودة في المقدمة ليصل الرقم إلى المئة رمز الكمال، وبطلها هو دانتي نفسه التائه عند مفترق الطرق وسط غابة مظلمة تغصّ بالذنوب، ويصف في قصيدته هذه عالماً أبدعه في مخيلته، فيه مكان للخير، وكذلك للشر الذي يراه الشاعر نتيجة للعجرفة المفرطة في سلوك أول ملاك تمرد على حكمة الرب، ويرى دانتي أن مصدر الشر هو الإنسان ذاته، إذ يقول في المطهر وفي القصيدة السادسة عشرة "إذا كان العالم الحالي منحرفاً وضالاً فابحثوا عن السبب في أنفسكم"، لأن الإنسان يبحث دوماً عن مصدر الشر فيما حوله منزهاً نفسه وملقياً المسؤولية على السماء. وتكمن المأساة، في رأي دانتي، في العقول النائمة، فالمدانون في الجحيم هم أولئك الذين فقدوا القدرة على التفكير والإدراك والفهم. وهو عندما ينظر إلى أعماق الإنسان يرى أن قلبه يتآكله الحسد والبخل والطمع.
يتصور دانتي موقع الجحيم بعيداً عن الإله الذي يشع نوراً، ويتصور المطهر جزيرة صغيرة وسطها غابة تنبض بالحياة وترمز إلى فردوس الإيمان على الأرض، فهو يصبو في قرارة نفسه إلى رحلة ارتقاء روحي نحو الكمال يقوده فيها ڤرجيل أولاً، ومن ثم بياتريتشه إلى العالم الآخر بهدف التقرب إلى الخير الأعلى والسكينة الدائمة. فالحقيقة الإلهية في نظر دانتي واحدة وإن اختلفت الديانات، حقيقة أعلنها الأنبياء وأولهم موسى. وكان دانتي يؤمن بوجود إله واحد أبدي يحرّك ولا يتحرك، وبأن هذه الحقيقة موجودة في الكتب السماوية ويمكن لأي إنسان أن يكتشفها إن أعمل عقله، وكان في الوقت ذاته يدافع عن طبقة حاكمة نبيلة تصل إلى السلطة بالعلم والفضيلة.