طالب عبد العزيز
من جميل ما يفعله غالبية العراقيين المسلمين بمناسبة أعياد ميلاد السيد المسيح أنهم يتقدمون بالتهئنة، والتمنيات الطيبة، لأشقائهم في الوطن المسيحيين والارمن ، وبمختلف طوائهم، أو من بقي منهم، وهناك من يقولها بقلب صادق ينشد الطمأنينة والسلام للجميع، وهناك من يقولها كتسيقط فرض، أو يقولها غير مؤمن بحقهم في العيش معه، أقصد من المنتمين للاحزاب الدينية المتشددة، التي تتسيد المشهد السياسي العراقي اليوم.
سيأتي من يقول بأنهم كانوا لنا اخوة، وامضينا السنوات الطوال معهم، وهم جيراننا وشركاؤنا في الوطن والعمل والسكن المدرسة.. وليس بيننا ما يمنع من وجودهم بسلام فنقول: نعم، كان ذلك قائماً بالفعل، ذات يوم، يوم كانت السلطة غير دينية، وكانت النصوص القاتلة ما تزال في مخابئها، غير مستلة، أما أوضاع البلاد اليوم، حيث تزعم كل طائفة وكل حزب بل وكل فرد بانه وحزبه أو طائفته وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة، وكل من خالفهم يمتلك نصفها، أو لا يمتلك منها شيئاً، فأمر المسيحيين وسواهم من الطوائف سيكون مربكاً، وكل واحد بينهم عرضة للطرد والملاحقة والسطو إن لم يكن الموت.
شخصياً، أفعلها وأكتب بوستات تهنئة بالمناسبة، أو اتصل بالتلفون مع بعض الاصدقاء من المسيحيين، في الداخل والخارج، لكنني، غير مقتنع بما أفعله، ذلك لأنني، كفرد لا أملك عشيرة مسلحة، أو ربما كنت علمانياَ، أو مسلماَ، وقد أكون منتمياً لطائفة مرفوضة في محيطها، فلا اشعر بالامن، واستشعر الخطر في كل حديث أؤمن به، وأدافع عنه، ورقبتي رقيقة، طيعة أمام سكين أيّ من هؤلاء، الذين يمسكون بالسلطة، ويمتلكون العدد الاكبر من البنادق. أولئك الذين يدعون امتلاك حقيقة الخلق، والخالق، والدين، وبيدهم مفاتيح الجنة، فأنا مكشوف أمامهم، لا أساوي في وجدانهم سعر الطلقة التي تخترقني.
في البلاد التي تتغول الاحزاب والطوائف فيها على الدولة، وتصبح عاجزة عن حماية نفسها لا يطمع الانسان فيها بحياة آمنة، فهذا شان مستحيل، إنما يتركز اهتمامه على الهجرة، والبحث عن مكان لتمضية ما تبقى من العمر، في محيط يحترم الانسان فيه الانسان، ويجتهد المسؤول الحكومي في تأمين حاجاته، والسعي لجعله آمنا، غير منقوص الشعور في المواطنة. الحديث عن عودة الاشقاء المسيحيين والصابئة المندائيين والاقليات الاخرى يتطلب سؤالاً جوهرياً هو من بيننا الآمن الحقيقي، الضامن لحياته؟ وهل تمكن الفرقاء الذين تقاسموا السلطة طوال عقدين من الزمان من حماية أنفسهم من بعضهم؟
اليوم، وبعد أكثر من شهرين على إعلان نتائج الانتخابات، وفوز بعضها من بامكانه رسم صورة الوطن القادمة؟ وهل ستظل البنادق مركونة في مشاجبها أم ستخرج ملعلعة؟ في وطن كل ما فيها غامض، وكل من فيه متربص بآخره، وكل من يمسك بمقود السلطة لا يريد مغادرته، وكل متسيد لا يفرط بالفرصة، التي أتيحت له ستتضاءل فيه فرص الحياة، والعيش الامن، ولا يشعر المواطن فيها بوجوده خارج حدود الموت والرصاص الطائش.