إياد الصالحي
انشغل رؤساء مؤسّسات الرياضة بتأمين مواقعهم طوال 18 عاماً منذ تفرّدهم بشؤونها عقب تحرّرهم من سلطة مركزية قيّدت حركتهم وحرمتهم من التصرّف بالأموال المخصّصة لها، وضيّقت عليهم الخِناق في زوايا بعيدة عن الرياضة، فراحوا ينفقون كل ما تسلّموه من ميزانيّات سنوية حتى أماط اللثام الأمين المالي الأسبق للجنة الأولمبية سمير الموسوي عن جانبٍ منها لأوّل مرّة في حواره مع مجلة (حوارسبورت) لشهر تموز عام 2013 بقوله
"أن اللجنة الأولمبية كانت تروم الحصول على 100 مليار دينار لتلبية احتياجات جميع الألعاب الفرديّة والجماعيّة، لكنّها حصلتْ على 70 مليار دينار فقط، وما خُصِّص للرياضة حالياً يعادل ما صُرِف عليها من عام 1948ولغاية عام 2003"!
كل ذلك، ومع تزايد شُبهات الفساد التي أحاطت عمليّات الانفاق والإيفادات ذات الطابع السياحيّ، عجزت ملايين الدنانير في صناعة (نصف بطل) أولمبي بعد الفشل الذريع في دورات أثينا 2004 وبكين 2008 ولندن 2012 وريو 2016 وطوكيو 2002 من دون أن تقدّم لنا الاتحادات بطلاً أولمبيّاً واحداً يعوّض خسارة العراق تلك الأموال، ظلّت عوائل الرياضيين الراحلين ممّن باغتهم المرض وقضى عليهم، بلا مُعيل يُخفّف عنهم بؤس حياتهم المريرة.
امرأتان فاضلتان يمكن عدّهما نموذجين صارخين لمأساة تلك العوائل المتعفّفة التي تمنعهما الكرامة من الإساءة لسُمعة ذويهم رموز الرياضة خُلقاً وعطاء، زوجتا محمد نجيب كابان أحّد رموز نادي الشرطة الرياضي وصانع مجده في حقبتي الستينيّات والسبعينيّات من القرن الماضي، وناطق هاشم نجم نادي القوة الجوية الرياضي والمنتخب المونديالي، اللذين توفيا في ظرفين مختلفين، كان قهر المعيشة قاسمهما المشترك، تركا عائلتين كريمتين لم يبقَ مسؤول رياضي إلا وعَرف بمحنتيهما، لكنّه لم يُحرِّك ساكناً ليعبّر بوفاء خالص لمُعلّمه وزميله.
عائلة كابان واجهت ظروفاً قاسية جداً، واكبتُها شخصياً منذ استغاثتها الأولى في (المدى) السابع من أيلول عام 2010، لم تفقد الأمل بإمكانيّة وجود فرصة لإنقاذها! واصلت التنقل من بيت الى آخر بالكاد توفر أثمان إيجاره الباهظ، وصادف أن استجاب وزير الشباب والرياضة عدنان درجال لطلب مقابلتها في 11 شباط 2021، واستمع لزوجة الراحل، ووعد باطلاع رئيس الحكومة على أحوالها المُرَّة وما شابه ذلك لبقية أسر الرياضيين قدر تعلّق صلاحية الأمر بالرئيس، وها هو العام يُلملم أيامه وأشهره ويرحل تاركاً نحيب عائلة نجيب بلا مُجيب!
وتلك زوجة الراحل ناطق هاشم، أدمت قلوبنا بحديث موجع للإعلام، حبست فيه دموعها غير مرّة، محاولة اظهار شجاعتها مثل زوجها المغوار ابن هاشم، وهو يقاتل في ملاعب العرب وآسيا والمونديال، محققاً انتصارات مدوّية للعراق، وراحت تهمس له قرب قبره أنها لم تعد تقوى على تحمّل هزائم عقوق رفاقه نحوه، فواحدهم يجد ألف عذر لها (بصلافة) عن صعوبة تأمين مورد معيشي بسيط، لكنّ وجهه لن يحمرَّ خجلاً من مطالعة فضائح الإعلام عن الرياضة في وثائق مرئية ومكتوبة عبر هذه القناة أو تلك الصحيفة تدينها بسوء استخدام المال العام!
وحتى تتسلّم حكومة جديدة مسؤوليتها، نطالب جميع روابط الرياضيين الروّاد انصاف زملائهم المتوفين ممّن تركوا عوائلهم تتعذب بنار المعيشة في الدنيا وكأنها تتمنّى دار الآخرة على أن تتوسّل رحمة المسؤول، قدّموا اسماء المستحقين ممّن أنجزوا واجباتهم الوطنيّة بتميّز كبير وخدموا الرياضة في أسوأ ظروفها ليتمّ شمولهم بمنح أقرانهم الأحياء بعد تعديل القانون، وأعدادهم ليست مهولة كأعداد المتنعّمين غير المستحقين! فلا خير في كل مبادراتكم ما لم تُطمئِنوا تلك الأسر بصغارها وكبارها أنها في ذمّة نخوتكم وخير العراق.