علي حسين
رأيت فيما يرى النائم أن وزير الداخلية عثمان الغانمي قدم استقالته بعد مشاهدته بالعين المجردة لضحايا جريمة "جبلة"، وتستمر الأحلام التي تقول إن مجلس الوزراء قرر الاستغناء عن خدمات جميع الضباط "الدمج" الذين عينتهم الأحزاب وتسلموا مناصب أمنية كبيرة.
سيقول البعض، يارجل ماذا تريد؟، لقد تم اعتقال الجهة التي ارتكبت الجريمة، وأصدر القضاء بياناً صارماً، وقادة الأجهزة الأمنية جميعهم يستنكرون ما جرى، ولكن ياسادة دعوني أسأل: هل تكفي بيانات الاستنكار؟، ماذا عن مسؤولية وزارة الداخلية التي سمحت لضابط برتبة نقيب أن يستخدم أسلحة ثقيلة في خلاف عائلي؟، كيف استطاع ضابط برتبة بسيطة أن يحرك القوات الأمنية؟، وكيف تجولت هذه القوات بحرية؟
قبل أسابيع كنت أعيد قراءة كتاب الدكتور مصطفى حجازي "الإنسان المهدور" وفيه يخبرنا المؤلف أن هذا النوع من البشر يعيش تحت ضغط القهر والاستبداد.. وهو إنسان لا يُعترف بطاقاته ولا كفاءته.. وليس من حقه أن يقرر مصيره.. لا تعترف السلطة أصلا بوجوده.. تقتله، تعذبه، تسجنه.. تزور إرادته.. تلغي وجوده لا يهم.. فماذا يعني أن تقتل إنساناً من قبل قوات "أمنية"؟.. هذا أمر طبيعي في بلد لا تهتزضمائر مسؤوليه لمقتل 800 شاب في تظاهرات تشرين.
أيها القارئ العزيز، أنا وأنت مواطنان في بلد يستقوي عليه ساسته وإخوانهم ورفاقهم، ، وأنا كمواطن لا أملك سوى هذه المساحة الصغيرة أبث من خلالها شجوني، أمنّي النفس بمسؤول من المؤمنين على شاكلة وزير الصحة الأردني الذي تقدم باستقالته قبل اشهر بعد وفاة ستة أشخاص في مستشفى بسبب انقطاع الأوكسجين لمدة ساعة. وربما كنا نضحك على بعضنا حين نتوهم أن الوزير عثمان الغانمي سيقدم استقالته بعد أن أكلت نيران القوات الامنية " 20 " مواطنا جريمتهم الوحيدة أنهم اختلفوا مع السيد النقيب .
ربما يسخر البعض من وزير قدم استقالته لمجرد موت 7 أشخاص في الوقت الذي خاض فيه زعماؤنا "الملهمون" حروبهم الطائفية من كلّ نوع ولون، وفي كلّ اتجاه، ، احتلوا المؤسسات الحكوميّة، أبادوا مدنيّة الدولة، طاردوا الكفاءات، وضعونا على سلّم البؤس، أدخلونا موسوعة غينيس في عدد الشهداء والمهجّرين. وبعد كل موجة خراب نجدهم يجلسون ويتضاحكون ويقررون التقاط صورة فوتوغرافية، لكي يطمئن الشعب أنْ لاسبيل أمامه سوى الإذعان لصوت "الزعماء الملهمين" .
ايها القارئ العزيز ، فنحن في كلّ مرة نتجرّع الحقيقة بمذاقها المرّ، وهي أنه لا شيء مهمّ في هذه البلاد سوى سلامة كراسي المسؤولين .
لو سألتَ أيَّ مواطن عراقي عن موقف استقالة وزير لمجرد وفاة سبعة مرضى بالكورونا ، فقد يموت قهراً أو ضحكاً! لأنه لا يستطيع أن يقول لاصغر مدير دائرة ، يسرق وينهب ، قدم استقالتك.