TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: متى يختفون ؟

العمود الثامن: متى يختفون ؟

نشر في: 18 يناير, 2022: 12:04 ص

 علي حسين

كنت أنوي الكتابة عن المرحوم "ثربانتس" بمناسبة مرور أكثر من أربعة قرون على صدور ملحمته الروائية "دون كيخوته" ونقرأ في الأخبار أن الإسبان يحتفلون بالفارس الهزيل وحصانه مثلما يحتفلون بنجوم كرة القدم، فلا يزال هذا الفارس الذي قرر أن يحارب طواحين الهواء يصر على أن يعلم.

في كل مرة وأنا أتابع ما يجري في بلاد الرافدين!! أتجه بنظري إلى رفوف الكتب لأبحث عن حكاية دون كيشوت وحصانه الهزيل، لأسأل نفسي كم من التأويلات تتحمل حياتنا ونحن نسمع ونشاهد شخصيات تصف نفسها بالسياسية لا تريد أن تغادر مكاسبها ومناصبها، وتنشغل بتأمين مقاعد الوزارات والهيئات المستقلة لأصحابها وأحبابها، هؤلاء، ونحن معهم، متورطون حتى النخاع في خراب العراق وتمزيقه وتخلفه، كلّنا مشاركون، كلّنا جزء مما يسمى مهزلة حكومات التوافق. كم من التأويلات يقبل دون كيشوت؟، وكم من التأويلات تقبل مدينته "لامانتاشا" ساحة معاركه الخيالية؟، إن جرثومة البطولة الزائفة حين تناولها ثربانتس كفت عن كونها مجرد خيالات وأوهام، إنها تبلع العقل وقد تفتك به، مثلما فتكت بالفارس الهمام دون كيشوت، وحين يعم الوهم يزحف الخراب على المدن والبشر، حاول ثربانتس أن يعبث في الطرح، فقد كانت الحقيقة مرة دائماً، لأنّ الشرّ لا يريد لخطواته أن تغادر الأرض، يحمل أسماء كثيرة، ويتخذ صفات عدة، لكن له غاية واحدة هي السخرية من طموح الناس البسطاء، وتطلعهم إلى الخير والمحبة، الذين يعتذرون بانهم يمارسون السذاجة ..هل هناك مسؤول عراقي يعترف بأن اللغة العربية تضم مفردة اسمها "اعتذار" وإذا تمكن يوماً من معرفتها فهل يفكر في استخدامها؟ هل هناك مسؤول سياسي يشعر بأن عليه أن يعتذر؟، وإذا قرر هل يفكر في الاستقالة؟، هذا في عرف سياسيينا أقصى حالات التطرف، فالعاقل من يمسك بالمنصب بيديه وقدميه وأسنانه، يعاونه طبعا شلة من المنتفعين والانتهازيين. في الأمم الحية نُفاجأ كل يوم بكل ما هو مدهش، ففي اليابان نجد بعض المسؤولين يقتلون أنفسهم لأنهم لا يستطيعون مواجهة الناس والمجتمع بعد فشلهم في أداء ما هو متوقع منهم، أو افتضاحهم في قضايا فساد، وفي بريطانيا لا يزال رئيس الوزراء بوريس جونسون، يصارع للبقاء في منصبه، بينما تتصاعد الأصوات المطالبة باستقالته حتى من داخل حزبه الحاكم، وذلك بعد إقراره بحضور حفل أقيم في حدائق مكتب رئيس الوزراء ، حينما كانت تدابير الحجر للوقاية من وباء فايروس كورونا، ورغم أن الرجل قدم أكثر من اعتذار وأن عددا من مساعديه قدموا استقالاتهم، فأن حزبه "حزب المحافظين" يعاني من التصدع بسبب هذه الفضيحة، لو تمت محاسبة مسؤولينا وسياسيينا حسب هذه القاعدة لاختفت طبقة السياسيين من البلاد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram