علاء المفرجي
في عام 2010 وفي مهرجان الخليج السينمائي في دبي، كان معي عدد من السينمائيين الشباب، من داخل العراق، وبعضهم من دول الشتات.. وأثناء نزولنا في مطار دبي واجه احد هؤلاء الشباب مشكلة مع ادارة المطار استطعنا تلافيها بصعوبة، حيث اضطر هذا الشاب الى المجئ الى الفندق بعدنا بساعات من مجيئنا نحن.
هذا الشاب النحيل والخجول بنفس الوقت، عرفت فيما بعد ان اسمه (ملاك عبد علي) وعرفت انه ابن صديقي وزميلي في العمل سابقا، والذي يعد من رواد التصوير الفوتوغرافي في العراق (عبد علي مناحي)، وهو ما جعلني قريب منه طيلة ايام المهرجان.
كان مشاركا في المهرجان بفيلم (كاسيت) الذي حرصت على مشاهدته، وتوقعت له أن ينتزع احدى جوائز المهرجان وهو ما حصل فعلاً فيما بعد.
وبعد سنوات طوال كان ملاك يعمل بشكل دؤوب، أتابع وأكتب عن افلامه التي اصبحت (عديدة) .. وإمتلك في نفس الوقت خبرة ووعيا متزايدا، فملاك عبد علي وإن اشتغل على موضوعات الحرب وتداعياتها السلبية مثّل أبناء جيله، إلا إنه تميز عنهم بقراءته المتأنّية لهذه الحدث الكبير أعني الحرب، من زاوية أن الحرب ليست مايحدث في ميدان القتال من إزهاق أرواح فحسب، بل هي ما تتركه من أثر ومن صدى.. ففي أكثر أفلام هذا المخرج القصيرة مثل: كاسيت، وأسمي مريم، وسلايد، لايتناول تفاصيل الحرب وأثرها المدمّر قدر ما يتناول، تداعياتها وأثارها على المدى البعيد.. ولم يعتمد كأقرانه قراءة النشرات الاخبارية للفضائيات وتضمينها في أفلامهم لدرجة الملل.
في فيلمه (الرسالة الأخيرة) مقاربة ذكية تلك التي صنعها المخرج الشاب ملاك عبد علي في فيلمه الأخير (الرسالة الأخيرة)، بين مأساوية حياة الكاتبة الانكليزية فيرجينا وولف وحياة بطلة فيلمه الممثلة التي تعيش في مطحنة الحروب، ذلك إنه أسقط سيرة وولف، وبالتحديد قضية انتحارها، بمصير هذه الممثلة.
واتيح لي أن أشاهد فيلمه الجديد (الحلم الاخير) الذي لم يخرج عن سياق أفلامه السابقة، وإن كان اكثر نضجا واكثر حرفية.. فملاك في هذا الفيلم أدار ممثليه و(البعض منهم محترفين) بشكل حرفي وبثقة عالية بالنفس.. كما ان الفيلم استطاع ان يستثمر ال (15) دقيقة التي استغرقها وقته في الإحاطة بفكرته وهي عن حرية المراة العرقية واحلامها المستباحة.. وكانت حركة كاميرته متفهمة تماما للفكرة، والحوار.. والتعاطي مع سيناريو محكم، والاقتصاد واضح ومثمر في كل شيء.. وباختصار كان فيلم ملاك هذا، بداية جديدة لمخرج حاذق ننتظر منه الكثير.
ولعل أول ما ننتظره هو فيلم طويل يعتمد فكرة الفيلم نفسها ، ولكن بتطويرها وإضافة محاور درامية جديدة لها، خاصة انه عرف كيف يعالج هذه الفكرة، ويمنحها قوتها.
والذي أتوقف عنده في تجربة ملاك عبد علي هو أن له خيالا واسعا، يستطيع به ان يخلق عوالم جديدة ومستحدثة في أفلامه، وهو ما يختلف به عن الكثير من زملائه.. فموضوع الرسالة الاخيرة، والحلم الأخير بل وباقي أفلامه القصيرة والتي اغلب ابطالها من النساء، تخلق انطباعا لدى المتلقي من كون هذا الملاك بأمكانه ان يكون له اسلوبا خاصا به..
وستكون لي وقفة مع هذه التجربة في مناسبة أخرى.