لطفية الدليمي
الروائي الكولومبي الراحل (غابرييل غارسيا ماركيز) له إبنة من علاقة حب أقامها مع كاتبة وصحفية مكسيكية تدعى (سوزانا كاتو): هذا ماتخبرنا به صحيفة مكسيكية تدعى El Universal مع بدايات عام 2022.
تسهبُ الصحيفة في الكشف عن خفايا تلك العلاقة فتقول أنّ الصحفية المكسيكية إلتقت ماركيز مع بدايات العقد التسعيني من القرن الماضي بغية عمل وثائقي خاص به، ثمّ تطوّرت اللقاءات واتخذت سمة حميمية تعمّقت حتى آلت إلى ولادة طفلة (يسمّونها طفل الحب Lovechild في الغرب) أسموها (إنديرا)، ويمكن للقارئ أن يخمّن أنّ إنديرا هي اليوم في بدايات ثلاثينات عمرها، وقد أصبحت مهتمّة بالانتاج الفني تمشياً مع الصفات الوراثية لكلّ من أبيها وأمها اللذيْن كانا فنانين في مضامير الادب والصحافة وإنتاج الأفلام. يبدو أنّ ماركيز كان فناناً في إصطياد النساء بمثل ماكان فناناً في إصطناع مشاهد الواقعية السحرية التي نضجت على يديه الماهرتين، ولعلّ الصحفية المكسيكية هي التي أبدت قدرة فنية ماكرة أوقعت ماركيز في شباكها، ولعلّهما تبادلا حباً حقيقياً من غير اصطناع أو نيّة مسبقة. مايهمّنا أنّ ناتج ذلك الحبّ كان طفلة إتفق الجميع على إبقاء ذكرها خفياً على المستويين الخاص والعام وبخاصة عن (مرسيدس) زوجة ماركيز التي رحلت في آب 2020 من غير أن تعرف بحكاية إنديرا وأمها سوزانا. الغريب في الأمر أنّ إبنيه الإثنين من زوجته مرسيدس كانا يعلمان بكلّ تفاصيل الحكاية لكنّهما آثرا الإبقاء عليها سراً مكنونا، ولم يكونا وحيديْن في هذا الشأن بل تذكر الصحيفة المكسيكية عدداً من أقرباء ماركيز (أبناء أخيه على سبيل المثال) ممّن كانوا يعرفون بالحكاية لكنهم عاضدوا أبناء عمّهم في الإبقاء عليها سراً.
ليس في أمر الحكاية مايثيرُ القارئ العادي. ليس ماركيز أوّل ولاآخر من أقام علاقة خارج نطاق المؤسسة الزوجية وأنتجت تلك العلاقة أطفالاً عُرِفوا في حياته أو بعد مماته. ماشأن القارئ العادي بكلّ هذا؟ يكفينا من ماركيز ماأنتجه في حياته من أعمال مبتكرة رسّخت نمطاً سردياً صار علامة مميزة للقارة الأمريكية اللاتينية؛ أما حياته: ماذا أكل أو شرب، وكيف كانت علاقته الأسرية والخاصة، من أحبّ وكم أحبّ؛ فتلك موضوعات لاشأن للقارئ بها إلّا من كان مصاباً بهوس التطفّل على دقائق حياة الكاتب بمثل مايفعل بعض المراهقين مع نجوم الأفلام. تلك مسألة يهتم بها البعض القليل ولاتصلح مقياساً عاماً.
يبدو أنّ موسم استغلال ماركيز تجارياً آن أوانه. لم يعُد بعضُ الورثة الجدُد يقبلون بعوائد كتب الراحل فراحوا يفكّرون في وسائل جديدة تكفل لهم الحصول على حصة من كعكة الراحل والشروع في إعادة تقسيم الحصص بموجب خريطة تقسيم جديدة؛ بل قد تحصل المطالبة بحصة من الأرباح القديمة بأثر رجعي، وهنا علينا أن نتصوّر كيف سيتحرّك أحد المحامين (الشطّار) لتحريك دعوى قضائية ومتابعتها. هل نستغربُ بعدئذ أن تكون المحاماة أكثر الوظائف دخلاً في الغرب؟
عالم الغرب – والعالم كله بلا استثناء – هو عالم مصالح كبرى متعشقة ومتغوّلة لاتشبع. هكذا تعلّمنا من خبرتنا السابقة. لادخان من غير نار خابية سرعان ماسيتمّ النفخ في جذوتها حتى تشتعل. تخبرنا الصحيفة المكسيكية أنّ (إنديرا) إبنة ماركيز نشأت نشأة عصامية لم تتعكّز فيها على إرث أبيها. لعلّ هذه الإشارة هي حركة إستباقية يرادُ منها القول أنّ الإبنة لاطمع لها في أموال أبيها الراحل أو مجده. ماعساه يكون المجد غير حصة في أموال الراحل؟ ماعلينا سوى الإنتظار، والمستقبل كفيل بالكشف عمّا هو مخبوء في العقول والصدور.
أرى خَلَلَ الرماد وميضَ نارٍ ويوشكُ أن يكون لها ضرامُ
نحن – القرّاء – لايهمُّنا من ماركيز سوى كولونيله الذي لم يجدْ من يكاتبه، أو حكاية غانياته الحزينات، أو الأعوام المائة من العزلة، أو عيشه الذي أعلن عنه في سيرته الذاتية، وكلّ ماسوى ذلك إن هو إلا عرسُ (بنات آوى) تتقاتل على مغنم ليس لنا منه شيء، ولن يفيدنا بشيء.