طالب عبد العزيز
ليس دفاعا عن محنة وزارة الثقافة في قضية المنحة المالية، لكنني، سأقف عند قضية الدنانير والدراهم الموهوبة للشعراء والكتاب العرب، من قبل السلطان تأريخياً. فبمعلومنا أنَّ المال ذاك لم يُمنح لشاعر أو لأديب دونَ مقابل، ولم يحدث أن وُهِبَ بغية تأمين حاجة لأحد، إنّما منح لإتقاء لسان شاعر سليط، أو لإظهار كرم سلطان جائر، والامثلة كثيرة في موروثنا، منذ الحطيئة الى عبد الرزاق عبد الواحد.
ولعلنا لا نذكر بطيب الشعراء الذين كانوا يقفون على أبواب الخلفاء والامراء، مستعطينهم من مالهم، الذي هو في الأصل مال المسلمين، المستحصل من الزكوات والاخماس أو من الإتاوات، وبمعنى شرعي هو مال حرام، يتفضل به السلطان على أمثال هؤلاء، الذين لايستحقونه، إلا لأنهم مدحوه، وخلعوا عليه الصفات التي ليست فيه، و لا يستحقها، وهذا يعود بنا الى ما شهدناه في (قادسية صدام) والتسول الذي مارسه شعراء الحقبة تلك، وبالصورة القبيحة، التي نتذكر تفاصيلها بالتمام والكمال.
حتى نهاية الحرب مع إيران لم تكن هبات صدام حسين السخية آنذاك تمنح لكل الشعراء والكتاب، إنما كانت خاصة نفر محدود، من الوضعاء، الذين استهوتهم الهبات تلك، ورضوا بالوقوف أمامه صاغرين، خالعين عليه صفات البطل والفارس والقائد الملهم، الامر الذي أسهم في تصييّره طاغية، وهو موقف حطَّ من شأن الثقافة بعامة، والشعر بخاصة، وأحرج الكتاب والشعراء والفنانين الوطنيين، الذين وجدوا فيه دكتاتوراً، تباينت وجهات نظرهم بشأنه، فضلا عن موقفهم من الحرب، القضية التي دفع البعض حياته ثمنا لها، وبما شوّه المعاني النبيلة للشعر والشعراء، والى تردٍ في فهم الثقافة. كان البعض من هؤلاء الشعراء والكتاب قد دافع عن ما يتسلمه من أموال القائد على أنها استحقاق وتكريم له، ولقدراته، ومكانته كشاعر كبير لا كمتسول.
كانت الدولة تسمّي الهبات تلك (مكرمة الرئيس) ولم تكن لتخرج عن التسمية هذه، إلا في حصار عقد التسعينات، حيث لم يعد لبطولته معنى، وشعوره بتدني شخصه كقائد مهزوم، بعد أن أطبقت أنياب الجوع على الجميع، وهاجر الكثير من المثقفين العراقيين، بحثا عن لقمة العيش، والحياة الاقل ضرراً، فيما اضطر آخرون الى استجداء المال من أقربائهم وأصدقائهم خارج العراق، والذاكرة الثقافية ما زالت حافلة بالقصص الخرافية تلك، التي ليس أقلها مكاتبة المثقف العراقي الصحفَ والمجلاتِ العربية والخليجية بخاصة، بغية نشر عمله، طمعاً بالمكافأة (الثمينة) التي تدفع من هناك.
وبالعودة الى أصل(مكرمة القائد)فقد تفتقت عقلية المحيطين برئيس الوزراء آنذاك (المالكي) على بعث الروح في المكرمة تلك، فحدث أن تم تنظيم قوائم بأعداد غفيرة من المثقفين، ودفعت مبالغ أقل ما يقال عنها بأنها هزيلة، ثم توقفت في الازمة الاقتصادية، حتى معاودتها في نهاية العام 2021. وهنا نقول بأن المنحة هذه لم توضع على اساس ثقافي، ولم يُفكّر بها على أنها إسهامة في انتشال المثقف من أسر الحاجة، والاخذ بيده خارج دائرة العوز، أبداً، فما هي إلا تسقيط فرض مالي، كان على الوزارة التخلص منه، بالطريقة التي نشهدها اليوم.