علاء المفرجي
ليس مسرح الرشيد حسب، المهدد بالازالة، هو وشواغله، فمن اجل (العيون) علينا ايضا ان نطمر شارع الرشيد بل ونهيل عليه التراب، وأن لانكتفي بجعله مكباً للنفايات كما هو الان، بل ننساه، وهو الذي لو كان بيد متحضرة لجعلت منه شاخص المدينة الاول،
بالحداث السياسية والثقافية فيه، بل والاماكن، والأزقة الخالدة فيه، هو (الشارع الضيق)كما وصفه جبرا ابراهيم جبرا، لكن ضيقه ينفتح على عوالم مدهشة . ونحيل كذلك مدينة المنصور الى أنقاض، وطبعا لاننسى التمثال في جانبها الغربي، الذي اتعب اللصوص والمحتجين على وجوده.. وتعالوا نشطب من ذاكرتنا قصيدة (بغداد يا قلعة الاسود)، التي خطها الشاعر محمود حسن اسماعيل، وترنمت بها أم كلثوم، أو أن نغير أسم مدينتنا بأي اسم أخر ، دار السلام مثلا، وإن كان أسم السلام يثير غضب البعض من هؤلاء!!.
تعالوا إذن ننسى مدينة اسمها بغداد، وننسى ما قاله حسنها الذي لم يكن في حساب نزار قباني ، أو كما راى احمد رامي "عبث الدهر في بساتينها الغناء".. ننسى نهوضها العنقائي، من قلب المأسات والكوارث التي مرت بها، ننسى خطوط خارطتها المقدسة، ننسى مؤسسها وبانيها.. لاننا ببساطة عرضة لفرمان اداري، من شاكلة الفرمان الذي أصدرته وزارة الاسكان.. لنشطب على كل تاريخنا، كدت كل أقول وجودنا، وطبعا كل ذلك من أجل (العيون).
مسرح الرشيد لم يكن مسرحا للعروض المسرحية حسب، كان هذا المسرح يوما ما، وقبل ان تناله القنابل الذكية الامريكية، ملتقى للمثقفين بكل إهتماماتهم، كات تعقد فيه اللقاءات الثقافية، والاتفاقات بين المثقفين، بل وتبادل المطبوعات سرا فيه، هو ايضا لقاء شباب المسرح والسينما.. كان فيه: يوسف العاني، واحمد فياض المفرجي، وطارق عبد الكريم، وحسب الله يحيى، وسعدون العبيدي، وحعفر السعدي، وبدري حسون فريد، وعبد الخالق المختار، وفيصل الياسري، ومحمد شكري جميل.. واخرون، تذكرهم يتطلب الكثير من المحبة.
مسرح الرشيد، شاهدنا فيه (ملك زمانه) و(الذي ظل في هذيانه يقظا)، و(مارا صاد)، و(الجنة تفتح ابوابها) و(لو) و(الف رحلة ورحلة).. وغيرها.. كانت دروسا لنا نحن الذي كنا في رحابها ننهل من المعرفة..
لم يكن مسرحا حسب.. كان جزءا حميما من ذكرياتنا، وأحلامنا.. وذكرى صداقات حفرت في أعمارنا ذكرى طيبة..
هكذا إذا، صار المثقفون وكل ما يمت لهم بصلة، هدفا سهل المنال، لفرمانات المسؤولين، فهم لم يتحسسوا مسدساتهم عند ذكرهم حسب، بل اصبحوا يتفنون في صنع أساليب كثيرة وملتوية في إذلالهم، فبالأمس (عطاء) وزارتهم المذل لهم، واليوم مهلة اسبوعين لمحو ذاكرتهم المتمثلة بأحد امكنتهم، مسرح الرشيد..
اتساءل هل سيبقى مثقفونا ينتظرون الصفعات، دون بادرة رد، على الأقل في وقفة إحتجاج.