علاء المفرجي
مرت قبل أيام ذكرى رحيل المخرج والمنتج مصطفى العقاد ، بهجوم شنته الجماعات التكفيرية على الفندق الذي كان فيه بسبب زواج ابنته..
فما كان المخرج العالمي مصطفى العقاد يظن قبل ان يقتحم تجار الموت فندق الحياة غراند في عمان حيث يقيم، ان رحلة البحث عن ممول لمشروعه الجديد، بإنتاج واخراج فيلم عن الناصر صلاح الدين، قد شارفت على نهايتها، وإن كان على يقين بأن مشروعه بما يحمله من نفس حضاري في مخاطبة الاخر بلغته وثقافته يتقاطع مع مشاريع العقول الملثمة والمفخخة بالحقد والتي لا تعرف سوى لغة العنف والموت، وهي المشاريع الممولة من افكار متحجرة واموال تسعى لتكريس ثقافة الارهاب والموت المجاني.
واذا كان البعض يرى في موت العقاد بشظايا اعداء الحياة الذين يقدمون صورة بشعة ومزيفة عن الاسلام، وهو الذي قدم الاسلام كحضارة انسانية شغلت العالم لأكثر من اربعة عشر قرناً كانت خلالها مثالاً في الثراء والتسامح، مفارقة، فان اختلاف الوسائل في تسويق صورة الاسلام الى العالم، جعلت من هذا الامر، امراً طبيعياً حد الاعتقاد بأن المستهدف الوحيد من هذا العمل الارهابي لم يكن سوى العقاد نفسه.
فمشروعه الذي كان يستعد له عن الناصر صلاح الدين كان جزءاً من خطابه الذي يرتكز على استثمار كل وسائل الاتصال - والسينما اخطر هذه الوسائل - في تقديم الصورة الايجابية عن الاسلام مقابل تلك الصورة التي يقدمها اولئك الذين قضى العقاد بتفجيراتهم.
سعى العقاد في هذا الاتجاه بدءاً من نهاية السبعينيات عندما قدم فيلم الرسالة وهو احد اهم نتاجات السينما عن بدايات الدعوة الاسلامية، ثم فيلمه (اسد الصحراء) عن الثائر عمر المختار، ولو لم يقدم العقاد سوى هذين الفيلمين، لما كان لاحد ان يشكك في قدرته على التعاطي بذكاء مع احدث تطورات هذا الفن.. وهي القدرة التي اكتنزها من خلال دراسة السينما في اعرق المعاهد الاميركية، وخبرته في العمل مع اهم مخرجي السينما امثال سام باكنباه.
خاض العقاد في هذين العملين تجربة متميزة في سينما الانتاج الضخم، فضلاً عن تجربة هي الاولى من نوعها في تاريخ السينما العالمية، حيث صور لقطات فيلم الرسالة مرتين في المكان والزمان نفسه، ولكن بلغتين مختلفتين وممثلين مختلفين.
وهي التجربة التي بددت الشكوك في قدرات الممثل العربي.. اضافة الى استعانته بخبرات فنية عالمية من امثال كاتب السيناريو هاري كريج، وجاك هيلدبارد الفائز بأوسكار عن (جسر على نهر كواي) والمؤلف الموسيقي موريس جار الحاصل على الاوسكار عن لورنس العرب ود.زيفاكو.. وغيرهم.
والاهم من كل ذلك في عملي العقاد... هو حرصه على النأي عن النظرة العنصرية الضيقة في فيلم الرسالة، وتمجيد البطولة الفردية في (اسد الصحراء) على الرغم من توفر هكذا فرص لمثل ذلك.. فقد سعى العقاد لتأكيد قناعاته بضرورة التعايش بين الحضارات والتاكيد على القواسم المشتركة للهم الانساني، فقدم نماذج مختلفة ضاجة بالتسامح والدعوة للسلام ونبذ الضغائن والاحقاد، وفيما عمد الى ادانة الفاشية الايطالية وسياسة استعباد الشعوب واعلاء قيم النضال الوطني، فانه قدم ايضاً نماذج لشخصيات ايطالية ترفض مثل هذا النهج، وهو النهج الذي كان يعرف انه يخاطب به جمهوراً أوسع.. فكان لابد من ان يعمد الى شكل ومضمون متميزين.
وأتذكر هنا ما كتبه الكاتب اسامة فوزي في (عرب تايمز) عن الطريقة التي انقذه بها العقاد بعد احداث أيلول حيث لم يستطع اطفاء غضب جاره الاميركي على العرب والمسلمين الا حين دعاه لمشاهده فيلمي (الرسالة) و (اسد الصحراء).