ترجمة: عدوية الهلالي

يعود الروائي الشاب (هيكتور ماتيس)البالغ من العمر 28 عامًا ليفتتح الموسم الأدبي للعام الجديد بروايته الثالثة،

وهي قصة تلقائية يناقض عنوانها أسلوب كتابتها، فهي تحمل عنوان (لغة ميتة) بينما كتبها الروائي بكلمات تنبض بالقوة والحياة..

فبعد روايته الاولى (KO)، وهي رواية أثارت اهتمام الجمهور والنقاد في عام 2018، وتلتها بعد ذلك بعامين روايته (الكرنفال)، نجد تحول الأسلوب الأدبي لهيكتور ماتيس الى الجرأة مع روايته الثالثة (لغة ميتة

)، والتي صدرت في بداية الموسم الأدبي الجديد في السادس من شهر كانون الثاني الجاري عن دار نشر (بوشيه شاستيل).

تتناول الرواية قصة شاب يعود الى الضاحية التي نشأ فيها.. انه لايحلم ومع ذلك، يبدو ان هذا الانجذاب الى أماكن طفولته يشبه بالنسبة له رحلة عبر الزمن فهو يعود الى أصوله ويعيد التواصل مع رفاق طفولته وأهم الشخصيات فيها وهم والديه واخوه وجدته مي جوس وعمه هوراس واصدقائه،كما انه يعيد اكتشاف الصوروالأحداث التي كانت سائدة في سنواته الأولى في ضاحيته وحجرة طفولته ومنزل جدته ورحلات التخييم اثناء الأجازات مع الاصدقاء، ويعيد ايضا في الرواية عرض المشاهد الرئيسية في حياته المبكرة: امراض طفولته، العروض المسرحية، مشاعره الجنسية الأولى، رحلاته الأولى وحبه الأول واشمئزازه من المدرسة وشغفه الشديد بالمانجا، وكذلك الصفحات الأولى التي كتبها في حياته..

تسير الرواية في الاتجاه المعاكس للزمن، ويتم غربلة احداثها عبرلغة حية على الرغم من ان عنوانها (لغة ميتة) يتحدث عن مرور الوقت والعالم المتغير، فهي قصة رمزية لطفولة مرت. لكن ليس فقط، في نظر الراوي الذي يستيقظ من حلمه، ليجد إن العالم قد تغير حقًا. فالعالم الجديد عالم محبط، “بلا ألغاز، وبدون مفاجآت”،ويصعب فيه التعزية بموت الجدة.

يقول الراوي “ كان كل شيء ينهار بهدوء، وبدون مقاومة..ظننت إنني تعرفت على مدينتي لكنها انقلبت تماما وتحول اغلب مافيها الى فراغ !!”..

مؤلف الرواية هيكتور ماتيس هو كاتب فرنسي ولد في 22 آيار عام 1993 في باريس.ونشأ في الضواحي الباريسية. وتم تشخيص حالته على أنه مبكر النضوج في سن السادسة حيث تخرج من البكالوريا قبل سن الثامنة عشر..بدأ بكتابة كلمات الأغاني قبل أن يتفرغ لكتابة الروايات،وبعد مرضه، بدأ بكتابة روايته الأولى (KO)، والتي أنهاها في شهر واحد فقط.

يوصف أسلوبه في الكتابة على النحو التالي “جمل قصيرة، اختصارات جريئة، صور غير متوقعة، إحساس قوي” اذ يقول النقاد ان لغته هي لغة طازجة وصاخبة، وأسلوبه الحر يشبه موسيقى الجاز المتحررة من القيود ،انها لغة يعاد ابتكارها باستمرار، كترياق للأدب الاصطناعي المجمد. بفضل كلماته الصادمة، والتي تنبض بالحياة..

وكما هو الحال مع أول روايتين له، فإن الكتابة التي يقدمها هكتور ماتيس لقارئه قبل كل شيء هي لغة كثيفة، بسيطة ظاهريا، لكنها في الواقع معقدة للغاية، فهي تجمع معًا مفردات مستمدة من لغة عامية قديمة متناغمة مع لهجات معاصرة مستعارة من موسيقى الراب..

فبعد صدور روايته الاولى (KO)، قالت الناقدة والناشرة ماري هيلين لافون انها قرأت نصا يصف البرد والوحدة والموت الباريسي وتعرفت الى لغة وايقاع غريبين يتميزان بالطابع الموسيقي كما ان اسلوب الكتابة متطور وحيوي للغاية.اما الناقد ايريك دوسرت فيرى ان هكتور ماتيس قادر على السيطرة على اللغة مثل عازف بارع لموسيقى الجاز، وقد أكد موهبته في روايته الثانية (الكرنفال) التي تناولت تفاصيل وأجواء آخر حفلة قبل نهاية العالم،ولم تفقد شخصياته شيئا من حيويتها ونضارتها..الكتابة الفريدة لهيكتور ماتيس تجذبنا في كل صفحة. فوراء هذا الانفجار اللفظي الواضح، لم يتبق شيء للصدفة. وكما هو الحال في موسيقى الجاز، تعود الموضوعات، وتترك مجالًا للارتجال بينها، ربما لأنه بدأ مع موسيقى الراب قبل الكتابة فهو يكتب بصوت عال وكأن الانغام تنساب من النص..ونشعر أيضًا بأن وراء هذه الحيوية يبرز أول حب أدبي لهيكتور ماتيس: سيلين - التي امتد منها الكتابة المنطوقة والشاعرية والعامية - ولكن أيضًا سيوران وكافكا ودوستوفسكي وكالافيرتي الذين يحبهم المؤلف.