TOP

جريدة المدى > عام > مصطفى صفوان..الموت اللامرئي

مصطفى صفوان..الموت اللامرئي

نشر في: 29 يناير, 2022: 10:59 م

ناجح المعموري

عرف الانسان منذ فجر البدئيات ظاهرة الموت واثارته كثيراً وعطلته قليلاً، لأنه في البداية خائف ان يترك ما ابتدأ به ناقصاً

لكنه بالتالي تعرف على عوامل مقاومته بالمتروك للاتي من موجودات ظلت في الامكنة تمنح الذاكرة طاقة الاحتفاظ بتاريخ طويل، فيه اثار ووشوم الرجل الذي غال وتضاءلت صورته. غياب القتيل وبقاء الدم ولوثاته ومطاردته للقاتل بالإثم الباقي حتى لحظة التمظهر من الدوم ولونه وتحولاته المستمرة، تجعل منه بحاجة مهمة لطرح الارواح السحرية، الملاحقة للقاتل حتى يتبرأ من الدم ومشهده. لذا دائماً ما يضطر للجوء الى شعائر سحرية، هي في الانثربولوجيا الاجتماعية والدينية تمثل نوعاً من طقوس التهزيم التي تساعد على التطهر والتخلص من روح الميت او المقتول.

قال العالم مصطفى صفوان مستعيناً بالرأي الفرويدي ومقولات ليفي شتراوس ان فلسفة التاريخ هي عنصر الميثولوجيا التي لا تنعزل عن ملازمة التاريخ وكأن مقولة صفوان اعادة لمقولة شهيرة لشتراوس عن العلاقة بين التاريخ والاسطورة، وكيفية الاهتداء عليه، لذا هو الذي اختار بروز التاريخ بوصفه دالاً على نهاية النص الاسطوري الذي تبدّى عبر التاريخ، أما الأسطورة فهي اللحظة البدئية التي يمكن الاهتداء للتاريخ من خلال الطقوس والعقائد والشعائر. لهذا كرر مصطفى صفوان استفادته الواضحة للعالم فرويد: ليست روح هابيل بل دمه، لا يحاول فريزر حل هذه المشكلة ويكتفي بالاشارة الى الاعتقاد الذي لا يزال حيا عند بدو موآب وفحواه “ أن الدم يصرخ من الأرض، ويستمر في الصراع طالما لم يهرق دو أحد الأعداء / ن.م / ص91.

فالموت / الكلام كما قال المفكر مصطفى صفوان بمعنى الصمت هو غياب التكلم الذي يعني الكلام كما قال هايدجر في فحص لنصوص الشاعر تراكل. حيث قال ان الكلام تكلم. والصمت تعطل للصوت، لان المحرم قد وقع ولم يبق للكائن غير متروكات في المكان الذي عاش فيه طويلاً والاقتران بين الصمت وتعطل الكلام / او الموت يتبدّى عن مجاز ايضا، لان الصمت لا يعني بالضرورة حصول الموت، بل الخرس في احيان عديدة لكن غياب الكلام / سيادة الصمت تعطل تمظهرات الكائن من اجل كينوته، لان العيش وسط الصمت غياب للخصائص الاجتماعية، وتوقف التواصل بين الفرد والاخر. ومثل هذا التواصل هو حلم الكائن لتأكيد حضوره الفاعل من خلال الكلام. الذي هو نظام اجتماعي كما قال المفكر مصطفى صفوان “ لأن اللغة تعمل كونها مركز معنى رمزي اجتماعي أكثر من كونها تعبيراً لذات فردية. ان البحث عن حقيقة تعبير الذات الفردية يؤدي بنا لا محال الى أن نضل الطريق، تماماً كما تضل الأنا طريقها في وهم تعرفها على وحدتها وتماستها / مصطفى صفوان / الكلام أو الموت / ت ك مصطفى حجازي / المنظمة العربية للترجمة / 2008 / ص16.

يوفر الكلام المستمر مع الآخر فرصة قوية للتأكيد على حيوية التبادل. لكن الخرس يعطل الكلام، لكن اللغة حاضرة فالاعتماد على الرموز وسيلة للخطاب والاتصال يجعل من الرموز طاقة فوق اللغة، تمنح الآخر الذي تعايش طويلاً مع الأخرس فهم ما تعنيه الإشارات والحركات ويدنو منها ويمنحها نوعاً من التأويل وتحدي الباب المغلق وفتح المجال التشاوري / التحاوري بين الاثنين. ومثل هذا التشاور يفضي لتكريس الرموز والعلامات بسبب تكررها وأيضاً يتبلور مفهوم التواصل التبادلي ويجعل ما دار بين الطرفين، الموت أو الكلام نوعاً من الاختيار المقبول لآلية الفهم الراشح باستمرارية التواصل والتقاط التأويلات. تكرس الفهم للرمزي وحضوره والتعامل مع تفاصيله ومفرداته الرمزية، تفضي في التأويل العميق الى اعتزاز الأخرس وتباهيه وتفاخره بالذات واعتداده بالأنا، لأن التأويل اعتراف بقدرات الذي خسر فرصته في تداول الكلام وحاز على ما هو أكثر أهمية بسبب التعايش مع الصمت، ومثلما قال المفكر مصطفى صفوان لا يوجد بين شخصين أما الكلام أو الموت، أي الحوار والتفاهم أو الخرس وصمت الرموز كلياً. لأن في الحياة البدئية لتعرف أمر مهم وحيوي للغاية أن تقترن العلاقة بين طرفين، لكل منهما قبول وتوافقات على الصوت أو بديله الرمزي والإشاري.

الكلام حضور قوي دال على الأنا / الذات ويمتلك الصوت طاقة مماثلة، قوية مهيبة وتنطوي على جلالة معرفة بالمتكلم الذي يتكلم.

اكد العالم الانثربولوجي “ بيار كلاستر “ على قبول مشهد الذم الذي يتناهى به الانسان البدئي لأنه يتعامل معه بوصفه نوعاً من التغريم الخاص بطرد الارواح الشريرة والشياطين الملاحقة للإنسان الذي دائماً ما يؤكد على التغريم بقتل الاضحية متباهياً برؤية الاله المتعالي، لكن هذا الموقف البدئي ينطوي على شكل من تدمير الحياة ولا يحقق حلم الانسان القاتل في التخلص من الاثم. المتكون من تصورات الكائن البدئي من أن الصرخة المتصورة تفضي لاحتجاج، يعلن عنه عبر الاحتجاج والصراخ ضد التابو، المحرم، لأنه يعني حسب مصطلح مصطفى صفوان “ الرعب المقدس «.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الأنواء الجوية: ارتفاع في درجات الحرارة الاسبوع الحالي

الكويت تنفي تدهور الحالة الصحية لسلمان الخالدي الذي تسلمته من العراق

ترامب: نريد 50% من ملكية تطبيق تيك توك

القوانين الجدلية على جدول أعمال البرلمان يوم غد الثلاثاء

هل أخطأ البرلمان بعدم حل نفسه مبكراً؟

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

مقالات ذات صلة

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو
عام

السماء ليست حدودًا: قصة هوارد هيوز وجان هارلو

علي بدرفي مدينة تتلألأ أنوارها كما لو أنها ترفض النوم، وفي زمن حيث كانت النجومية فيها تعني الخلود، ولدت واحدة من أغرب وأعنف قصص الحب التي عرفتها هوليوود. هناك، في المكاتب الفاخرة واستوديوهات السينما...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram