TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: في فضلِ أهلِ النَّخل على العالمَين

قناطر: في فضلِ أهلِ النَّخل على العالمَين

نشر في: 1 فبراير, 2022: 11:34 م

 طالب عبد العزيز

أستودَعتكَ أمُّك عند أصل كرمةٍ، وذهبت تُعدُّ الشاي لأبيك، وقد انكشفت الشمسُ عن قدميك، وهما تحفران الارض، سعيا وراءها؟ أوقفتَ تحصي العراجينَ تحت جناحها، وهي تبتسم لك في البعيد؟ أتنفستَ من رئة الارض،

وقد ارتوت بمطر البارحة، الذي وصل النهر بما جعله الوالدان فسحة للعبك وتجوالك؟ أنعمنتَ النظر في قُلَبِ النخل، وقد إزرقّت زهواً وينعاً وطفولة؟ أدنوتَ من لفافة السعف التي أحاطت الفسيل، الذي أنبتهُ شقيقُك الاكبر الربيع الماضي، وقد تفتقت عن يابسه خويصاتٌ خضرٌ، كأنهنَّ الوشمُ خيط بأذرع الاطفال، في المزارات البعيدة؟ إذا كنت ذلك كله، تعال أسمعُك ما قاله الاعرابيُّ للاصمعي، عبد الملك بن قريب، وقد فاضله في نخلِ وتمرِ أهله: " تمرنا جُرْدٌ*1 فَطْسٌ*2، يغيبُ فيه الضِّرسِ، كأنَّ نُواهُ السُن الطير، تضعُ التمرةَ في فيكَ فتجدُ حلاوتها في كعْبيك.

كان مطر البارحة فتقاً في السماء، انهمر قبل الفجر الاول، وأنت تعلم يا صاحبي أنَّ الفجر في البصرة فجران، فيما النهار واحد في كل الدنيا، والليل تقطعه أنفاس الخلق، وتلطع أنجمَه الدوابُ والهوام، ولا مجلسَ لأمثالنا، إلا ما أظله النخل وافترشته المودة، وهذه الارض تبتكر مهرجاناً لمن عليها الساعة هذه، فقد أمضيت الليلة خفيفاً، منصتاً للضوء، تطيحُ الريحُ بقرونه في شرفة المنزل، أحصي المباهج، فما واربتْ دوني باباً، ولا أقول اتقيت ستارة، ولا جانبت ريحاً، فقد كنتُ مطلق الخطوات، أتعددُ في الامكنة، وأدفع بالسعف الندي أطراف الآس، مخافة أن أضن عليه بشيء، وقد نالني من المطر ما نالني، فتبللتْ لفائفُ قطنٍ، كنت أحكمتها على كتفي، وفقدتُ عصاً، هي الثالثة، لم أتبينها في ضجّة ما تداكك وانقلب، يالهذه الليلة التي لا تنقضي بحلم، ولا تتكرر بعناق.

ولمن لا يقول في فضل أهل الماء والتمر على أهل الحجر والطابوق، ولم ينصفْ أهلَ النخل والظلال على ذهابه في السرفات، وهِجران أهله، وعلى قبح أفعال أهل الجسكارات والجرافات، أقول لك : بلغني أنَّ ابن قتيبة الدينوري، يقول في (عيون الاخبار) بأنه قيل لفرقد السَبْخي: يا أبا يعقوب، بلغنا أنك لا تأكل الفالوذج*3، فقال: يا أبا سعيد، أخاف أن لا أؤدي شُكْرَهُ !! هكذا، نحن يا صاحبي، ما أدينا شكر النخل، ولا فضل الرطب، ولا نعمة الظلال، وحالنا كذاك الاعرابي الذي قال بفضلِ العسلِ على الرُّطب، فقيل له: أتجعلُ عسلةً في أخثاء البقرِ كعسلةٍ في جوِّ السماء، لها حارس من جريد، وذوائبُ من زُمُرُّدْ؟

بين هذه وتلك هاتفني أمس، من نخيله على شط العرب، بنهر خوز، أسعد الدغمان، وهو ممن إذا شددتَ عضُدَك به أمنِت، وبعد أن طمأنني على بيته وعياله، سألته ما إذا كان في بستانه فسيل فحلٍ غناميٍّ، أغرسه، وأتامله فحلاً، أفحلُ منه إناث نخلي، فلا يخيبُ ظنّي بواحدة، فأجابني: أنْ، نعمْ. ثم جاذبني الحديث عن فحول السوء الغيبانية، الخِكْريّ منها والسمَيسَميّ، وحين أعلمته بأنَّ فحلاً خِكرياً صغيراً أطلع عندي قبل أعيانه وخلّانه، قال: سامحك الله، لا تأمنه على نخلك، هو لقاحٌ فطير، مما نمضغه لأطفالنا، ونقدّمه علفاً لأبقارنا، فإياكهُ.

*1 جرد: ناعمة *2 فطس: صغار التمر غارت أقماعه *3 الفالوذج: نوع من الحلوى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram