علي حسين
من أمتع الكتب التي قرأتها السيرة التي كتبها الفرنسي فرانسو دو كلوسيه لشارد الذهن ألبرت آينشتاين، وكنت في مراهقتي الفكرية أعاني من تضخم الأنا، فأُوهم نفسي بأنني أستطيع فكّ ألغاز أي كتاب، إلى أن وقعت في امتحان عسير، حين اشتريت ذات يوم كتاب ألف باء النسبية،
وكنت أعتقد أن آينشتاين مثل نجوم السينما بشعره المنكوش وقدميه اللتين تنتعلان حذاء دون جوارب، وغليونه ولحظة الشرود التي لا تفارق وجهه، أمضيت أياماً بلياليها أُحاول حلّ لغز الصفحات الأولى من الكتاب، لكني في النهاية استسلمتُ ورفعتُ الراية البيضاء، وأيقنت أن مثل هذه الكتب لا يقربها إلّا الراسخون في العلم، وأنا حتماً لست منهم، بدليل أنني حتى هذه اللحظة لم أتمكن من حل لغز عمليات القتل التي راح ضحيتها أكثرمن سبعمائة شاب، وقد أحيلت قضيتهم إلى لجنة تحقيقية تذكرنا بلجنة تحقيق سقوط الموصل التي لا نعرف أين حل بها الدهر.
ولأنني مثل ملايين العراقيين أعرف أن هذه البلاد ستضع ملف كل كارثة في أحد الأدراج، مثلما وضع من قبل ملفّات جسر الأئمة وتفجيرات بغداد الجديدة ورواية الموصل، وأعرف جيداً أن كل أعضاء اللجان التي تحقق في الكوارث التي أصابت هذا الشعب، سيستخدمونها مادة في جلسات السمر، وسيخلدون بعدها إلى النوم العميق، بعد أن يوهموا العراقيين بأن الحكومة اقتصّت من المجرمين. لا شيء سيتغير، كل شيء سيتلاشى، إلّا مأساة أهالي الضحايا ستزداد هولاً وضخامة وفجيعة. البرلمان سيُحيل كارثة الكرادة إلى لجنة متخصصة، والمتخصصة ستحيلها إلى مهنية، والمهنية ستحيلها إلى الرف الذي وسع 2000 تفجير منذ عام 2003 وحتى الآن حسب بيانات الأمم المتحدة.
يكتب آينشتاين أن الكذب هو كل ما لدى الإنسان الفاشل، فهو يتصور أنه يستطيع خداع الناس بأن يحاول صرف أنظارهم عن الحقيقة، ليستبدلها بمنطق الخرافة، وإلّا كيف تسنّى لهذا الشعب أن يطلب من كبار مسؤوليه أن يقدموا استقالاتهم بعد تسببهم بمئات الكوارث؟.
هل هناك مسؤول عراقي يعترف بأنّ اللغة العربية تضمّ مفردة اسمها "تقاعد"؟ وإذا تمكن يوماً من معرفتها، فهل يفكّر في استخدامها؟ أعتذرفقد استخدمها النواب وأعضاء مجلس الحكم، فكانت النتيجة رواتب مليونية في بلد تجاوزت نسبة الفقر فيه الـ 30 بالمئة!
ذات مرة طلب أحد الصحفيين من آينشتاين أن يشرح له النسبية، تأمّل قليلاً ثم أجاب: إذا كان "أ" يرمز للنجاح فإن المعادلة يجب أن تكون على النحو الآتي: أ = س + ص + ع حيث يرمز " س" إلى العمل وحرف "ص" إلى اللعب. سأله الصحفي عمّا يرمز إليه حرف "ع" فأجابه آينشتاين: إلى إغلاق فمك! ، واتمنى ان لا يطلب مني قارئ عزيزي أن اغلق فمي .