عمـار سـاطع
لا أظنّ أن هناك من هو غير راضٍ عن المستوى الفنّي الذي قدّمه منتخبنا الوطني في النسخة 20 لبطولة آسيا لكرة اليد التي اختتمت مؤخّراً في مدينة الدمام بالمملكة العربية السعودية.
وهذا الظنّ ينسحب أيضاً على النتائج التي حققها فريقنا الذي تميّز بأداءٍ رائع وحقّق مواجهات تنافسيّة اقتربت كثيراً من منتخبات تفوّقت عليه في الكثير من التفاصيل، أبرزها الدعم والمساندة، إضافة الى الاحترافية التي ارتطمت بجدار التحدّي لأبناء الرافدين في تلك المواجهات.
بطولة آسيا لكرة اليد كشفت عن الوجه الحقيقي للاعبي جيل اللعبة الحالية، من أولئك الذين اكتسبوا خبرة كبيرة وجاروا غرمائهم من لاعبين يلعبون بدوريات أقوى ويتلمّسون الارتقاء الفعلي عبر التدرّج التخطيط والبناء الصحيح والاهتمام الممزوج بالامكانيات المُتاحة، على العكس ممّا يحدث عندنا تماماً!
لا أريد أن أقارن ما يحدث عندهم، وأقربهم دول الجوار، لكنّني أجزم أن فريقنا الوطني حقّق ما لم تحققه الاجيال التي سبقت هذه المجموعة الشابّة الطموحة، ورُبّما لم يكن الاهتمام بهذه اللعبة الجماعيّة في العقود السابقة عندنا، كهذا التهميش الذي ضرب لاعبينا الموزّعين على أندية الدوري الممتاز، وهُم ذاتهم الذين مَثّلونا في الدمام وخَطفوا الانظار، بل وأكدوا علوّ كَعبهم حينما أحرجوا منتخبات أقوى منهم دعماً وأقلّ منهم إصراراً!
لقد كان الإصرار هو العنوان الأبرز للاعبينا في منافسات البطولة القاريّة، حيث خاضوا مباريات، تكاد بعض نتائجها محسومة مسبقاً لهم، لاسباب ربما لا يعرفها البعض من البعيدين عن لعبة كرة اليد، أهمّها الفوارق الفنيّة الشاسعة، والنظرة التي تنالها اللعبة بيننا وبينهم، والتخطيط الأمثل إضافة الى ذلك المساواة في توزيع الدعم للعبة كرة اليد من قبل الجهات المسؤولة عن الرياضة، مُقارنة بما تحصل عليه بقية الألعاب.
نعم.. هذه الفوارق تنسحب بشكل أو بآخر على لعبة كرة اليد عندنا بالشكل الذي يجعلنا نتحدّث عن الأندية المعدودة التي تهتمّ بمنافساتها وتدعم فئاتها وتحاول أن ترتقي بمستوياتها، لذلك تجد أن مراكز التطوّر الحقيقي قليلة، وتحتاج الى امكانيات كبيرة، على العكس مثلاً ممّا يحدث في البحرين أو الكويت وحتى قطر التي نالت اللقب الآسيوي بجدارة، بل وباتت تتنافس حتى في العالمية وتتفوّق على منتخبات دولٍ هيمنت لعقود من الزمن على منافسات كرة اليد سواء في الدورات الأولمبية أو حتى في بطولات كأس العالم!
وبرغم أن المنطق يقول أن الخامات المتميّزة تتواجد في العراق وإن المواهب بحاجة لكشّافين فعليين وأن البناء الصحيح يفتقر الى الدعم، فإن الواقع يحكمنا أيضاً من خلال ما توليه تلك الدول مثلاً من اهتمام منقطع النظير بفرق أنديتهم من جهة وثورة الاحترافية التي عُمِّمَت على الأندية والمدارس التخصّصية وجلب أفضل المدرّبين العالميين وتوزيعهم على كلّ الفرق بمختلف الفئات انطلاقاً من البراعم والأشبال مروراً بالناشئين والشباب وصولاً الى المتقدّمين، هذا الى جانب المنشآت الرياضية المتكاملة التي حظي بها هذا الجيل من لاعبين.
أيها الإخوة.. ان الفوارق شاسعة، لكن الحقيقة هي أن لاعبينا الأبطال نجحوا في تجاوز كل شيء، متعكّزين على مبدأ الإصرار وعنصر التحدّي الذي واجهوا فيه منتخبات قوية، بل إن كلّ المنتخبات التي لَعِبنا معها كانت تتفوّق علينا بكل شيء قبل انطلاق المواجهة، لأن المنطق يفرض علينا نفسه بقوة، إلا أمام لاعبينا الأفذاذ الذين تمكّنوا من كسر كلّ شيء أمام قابلياتهم المكبوتة وروحهم العالية وتحدّيهم للمصاعب التي حملوها معهم واعتادوا على تجاوزها بالشكل الذي يجعلنا نفتخر بهم.
وحتى نتائج منتخبنا الذي كان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الاعجاز والوصول الى المونديال المقبل، لولا تلك الخسارة بفارق هدفين أمام كوريا الجنوبية في مباراة التحدّي الحاسمة، كانت نتائج مُشرّفة وفقاً لما هو مُتاح من إعداد وتحضير لمثل هكذا حدث قاريّ مُميّز يقترن بالبطولة الآسيوية، وهنا أؤكد أن هذا الجيل الذي لَعِبَ في الدمام بحاجة ماسّة الى الاهتمام به، لا أن ينفرط عقده، شريطة أن يتمّ زجّه ببطولات ودّية تضم منتخبات قوية، وأن يواصل تدريباته بالتزامن مع منافسات الدوري الممتاز، وأن يتم وضع له برنامج مستقبلي متكامل يسبق انطلاق المناسبات القادمة.
تحيّة للاعبينا الأبطال.. وتحية لاتحاد كرة اليد.. وتحية للمدرّب المصري شريف مؤمن وملاكه المساعد وتحية لكلّ من أسهم في إظهار هذا اللون المُميّز الذي أعاد بعضاً من بريق اللعبة.