TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناديل: الوطن هو أن نكون معاً

قناديل: الوطن هو أن نكون معاً

نشر في: 12 فبراير, 2022: 11:05 م

 لطفية الدليمي

لاتعني كلمة وطن عند بعض الأمم شيئاً سوى (أن نكون معاً) مع أعزائنا، مع نوعنا البشري الذي نجيد التحاور معه والانصات إليه، مع من نأمن صحبته ولايخذلنا، نسلك معه كأننا مع أنفسنا بلا خوف ولا ضغوط ولا ارتياب، ذلك هو التجسيد الحق لكلمة وطن لدى بعضنا، ولن أعمم فكرتي ورؤيتي الشخصية ؛ فغالبية الناس يحلمون بالخدمات والرعاية الطبية والحدود المعقولة من الكفاية والأمان وينسوم أمر الصحبة الإنسانية.

هناك مقولات شتى تتحدث عن الوطن، عن علاقتنا بالأمكنة والبشر، منها - مثلاً - مقولة الفيلسوف الرواقي (ماركوس اوريليوس) الشهيرة: (العالم كله وطنك، والبشر أخوتك، وخير البلاد ماحملك). لم أعد شخصياً أتقبل مقولات بعض الفلاسفة والمفكّرين ولا أعتنقُها على علّاتها، لابد من تفكيكها لتناسب أفقنا المعاصر وراهنية زمننا ومتطلبات الروح.

ماركوس أوريليوس يعمّم وأنا أخصّص ؛ فقد تجاوزت عمر التعميم سائب النهايات. لم أعد شخصياً أتبنى مالقنتنا إياه المرجعيات العتيقة والتنظيرات الفضفاضة لدروس الوطنية وبعض الفلسفات، أتفق مع الرواقيين في أشياء كثيرة وأختلف مع كل مالايناسب عصرنا ومتغيرات الحياة البشرية على المستويات كلها. الرواقيون يبسّطون الأمر ويتحدثون عن تجارب عيش مثالية وأزمنة يوتوبية مفترضة لم ولن توجد على أرض البشر، ومِنْ هنا مخالفتي لهم ودحضي لمقولة الامبراطور الفيلسوف الرواقي ماركوس اوريليوس الفاتنة التي انسحرنا بها زمناً ؛ فمقولة أوريليوس الايقونية نتاج حقبة زمنية مختلفة ورؤية مثالية لامبراطور مترف، وعلينا أن نضع كلّ قول في ميزان الممارسة الواقعية مع بشر عصرنا وحقيقة عالمنا المتغير.

لم أجد خلال تنقلاتي بين بشر من الشرق والغرب مصداقاً وتطبيقاً لمقولة (الأخوّة البشرية) غير المشروطة ؛ ففي عالمنا المعاصر هناك من ينكر عليك انسانيتك في بلادك وخارجها وبخاصة في المطارات والحدود والمحافل السياسية والعلمية والثقافية، وأتحدث اليوم عن واقع بشري مختلف لاتجدي معه الرؤى المثالية الرفيعة ونحن في مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.

إنّ مقولة (العالم كله وطني) غير حقيقية تماماً لأنّها مقولة طوباوية بلا أسس ؛ ولكي أكون دقيقة في حديثي عليّ الاعترافُ بأنني وجدت شيئاً من هذا في عقديْ الستينات والسبعينات من القرن الماضي عندما كنا نسافر إلى جهات الدنيا فلا نواجه مانواجهه اليوم من العنصرية والغلوّ الشوفيني. تبدو هذه المقولة فقاعة تخديرية وخدعة توهمنا بنزعة أممية متخيلة لاسبيل لتحقيقها في واقعنا الارضي ؛ فأنا – كإنسانة - عاجزة عن التحرك في هذا العالم بقامة مرفوعة، ولست على ثقة من قبول الآخرين لي كجنس وعِرْق، ولست قادرة على ممارسة حريتي والشعور بالتساوي الانساني عندما تصفعني العنصرية والتعالي العرقي في معظم البلاد المتقدمة لأسباب كثيرة في مقدمتها أنني أحمل جواز سفر منسوباً إلى بلد شبه مختفٍ عن خريطة العالم ولايعتدُّ به بين الدول الحية والمؤثرة .

صحيحٌ أنّ الوطن يكون وطناً حين نجدُ ماهو أساسيٌّ للعيش الطيّب ونكون مع من نحب ومن نألف ونحاور ونشاكس ونتقبل اختلافنا العذب برحابة وانفتاح، ولو تعاملنا على نحو صريح كنساء ورجال وارتضينا بمتطلبات البقاء البيولوجي والامان والرعاية الطبية، فهل سنحظى حقا بحياة سوية على المستويات الانسانية كلها؟ أبداً. نحن نغالط في إعلان الرضا وادعاء الامتنان رغم نقائص حياتنا. الحياة منظومة متكاملة من الحاجات العاطفية والاشباع الروحاني والحوار المتصل والثقة والتعاون في تحقيق الأهداف ومواجهة المعضلات معاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram