علي حسين
سأظل أكرر القول، اليوم وغداً وبعد غد، بأن المحبة والتسامح وحدهما طريق للخلاص من كل هذا الخراب، الكراهية موت ودمار، ونتائجها دائماً مقابر جماعية، وأعتقد أن هذه البلاد "شبعت" من الموت المجاني، ولم يتبقّ في روزنامتها يوم لاستذكار ضحايا جدد.
وأيضاً، سأظلّ أكرّر في هذه الزاوية الحديث عن ساحر أفريقيا نيلسون مانديلا، وباني التسامح في الإمارات الشيخ زايد، ومؤسس نهضة سنغافورة لي كوان، وعظيم الصين دينغ هسياو بينغ الذي نقل بلاده من خطب الكتاب الأحمر إلى خطب العمل والتنمية والاستقرار. ربما سيقول البعض، ما الذي يمكن لكاتب ضعيف الحال والأحوال مثل جنابي أن يضيف إلى رجال عاشوا حياتهم وماتوا وهم محبون لكل الناس، بكل ألوانهم وأطيافهم وقومياتهم ودياناتهم؟
اسمحوا لي أن أؤجل الحديث عن ما يجري من الاعيب سياسية يتوهم اصحابها انه سيجعلون من بغداد مدينة تنافس طوكيو شرط ان لا تحتفل بالفرح ، وان نحجر على اصوات الغناء ، فنخن بلاد تنشغل بكرندايز اسمه " حسن طراد " . تخيل في مدينة مثل ميسان يمنع فيها منح اجازة لنادي اجتماعي لأنه حرام ، لكنها تضع راسها في الرمل عندما ترى وتسمع عم انتشار المخدرات في المحافظة .، مئات التقارير التي تحذر من خطر انتشار المخدرات في العراق، فماذا حدث؟.. لا شيء في هذه الدولة التي انتفضت لحفلة غنائية، لكنها تصمت، عندما يتعلق الأمر بجرائم قتل وتعذيب النساء، فحين يهتف الجميع بصوت واحد: كلا كلا للرفاهية الاجتماعية، لا تحدثني عن ملفات البطالة، ونسبة الفقر، فهذه أمور بسيطة تُحل بخطاب "ثوري" عاصف.
قبل اشهر كنت أقرأ في كتاب رسائل الشيخ الجليل ابن حزم، ولأنني أدرك جيداً أن البعض سيذهب بذهنه إلى الشيخ همام حمودي الذي اعتبر عيد الحب من الكبائر، فأحب أن أخبركم بأن ابن حزم سطر لنا كتاباً في أحوال المحبين لم يعرف مثله، رقة وعذوبة، وصراحة هو "طوق الحمامة" وفيه يقول "الحب – أعزك الله – أوله هزل وآخره جد، دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف، فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة، وليس بمنكور في الديانة، ولا محظور في الشريعة"، وهذه العبارة حتماً لم يقرأها الذين يعتبرون الاحتفال بهذا العيد رجس من عمل الشيطان .
ولأننا نعيش اليوم أجواء عيد الحب، فقد تذكرت ما كتبه شاعر فرنسا الكبير أراغون الذي كتب لمحبوبته إلزا "إنهم لا يصدّقون قولي عن الحب برغم هذا الذي أُعانيه"،
في النهاية أتمنى أن نحتفل جميعاً بعيد حبّ العراق.. ولتذهب إلى الجحيم كل فتاوى ساستنا ووصاياهم، فنحن بدون المحبة والتسامح سنعيش حتماً في ظلام وخراب مع مسؤولين مصرّين على أن يورثونا "تكشيرة" عتاب الدوري التي نفتقدها في مثل هذه المناسبات .