ثائر صالح
الحديث عن يانيس سناكيس (1922 – 2001) ليس سهلاً، فهو مناضل سياسي ومقاوم ضد الاحتلال الفاشي الإيطالي ثم النازي لبلده اليونان، مهندس معماري معروف ومفكر وموسيقي متميز في نفس الوقت.
ولد في ميناء برايلة الروماني المهم المطل على البحر الأسود عند مصب نهر الدانوب، وتوفي في باريس التي هاجر إليها هرباً من ملاحقة السلطات الدكتاتورية اليونانية بعد إحباط تطلعات الشعب اليوناني في بناء دولة اشتراكية وديمقراطية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
جاءت ولادته في رومانيا عندما كان أبوه مديراً لشركة تجارية إنكليزية هناك، امه عازفة بيانو مثقفة تحدثت عدة لغات شجعته على تعلم الموسيقى، لكنها توفيت وهو في الخامسة فأرسله أبوه لاحقاً إلى مدرسة داخلية في اليونان حيث تلقى تعليماً موسيقياً وأصبح عضوا في كورس المدرسة فحفظ قداس موتسارت عن ظهر قلب. انتقل إلى أثينا في 1938 ليدرس الهندسة المعمارية واللغة اليونانية الكلاسيكية والموسيقى قبل أن تهاجم إيطاليا اليونان في 1940 ووقوع البلاد تحت الاحتلال الألماني لاحقاً، فانخرط في الاعتصامات وأنظم إلى جبهة التحرير الوطني، ثم جيش اليونان الديمقراطي فساهم في العمليات العسكرية ضد الاحتلال، وكان عضواً في اتحاد الطلبة الشيوعيين. فرضت بريطانيا بعد تحرير اليونان من قبل الحلفاء إعادة الملكية، وسط رفض قوات الأنصار الشيوعيين التي سيطرت على أغلب البلاد وتصادمت مع القوات البريطانية التي دعمت قوى اليمين في الحرب الأهلية اليونانية. عندها أصيب سناكيس في المعارك مع الانكليز بشظية شوهت وجهه وأطفأت عينه اليسرى.
هرب بجواز مزور إلى باريس في 1947، سنة النزوح اليوناني الكبير للشيوعيين اليونانيين وعوائلهم، فعمل في المكتب المعماري الشهير لو كوربوزييه بين 1948 – 1960، وسريعاً ما عهد اليه بتصاميم مهمة أشهرها جناح فيليبس في معرض بروكسل العالمي (1958). لكن اهتمامه بالموسيقى والفنون لم يتوقف بل تعاظم، فقد بدأ التأليف الموسيقي منذ بداية الخمسينات ودرس عند آرتور أونيغر وداريوس ميّو (المدى 31 آذار 2019) في معهد الموسيقى الشهير المعروف بالـ "نورمال"، ثم في كونسرفاتوار باريس عند أوليفييه ميسايان، وكلهم من أشهر الموسيقيين الفرنسيين وقتها.
ربط في موسيقاه الرياضيات والهندسة وعلم الإحصاء بالموسيقى، فلا عجب إن مال نحو التيارات الحديثة مثل الموسيقى المتسلسلة (Serial Music) فأخذ بترتيب النغمات والإيقاع وفق أنماط رياضية محددة. طور اسلوباً خاصاً به يعتمد على ترتيب عناصر الموسيقى بشكل غاية في التعقيد. ومن هنا كان الوصول إلى الموسيقى الألكترونية والتأليف باستعمال الحاسبات الألكترونية نتيجة طبيعية لنشاطه.
أهم أعماله الأولى ميتاستاسيس (1953 - 1954) الذي استعمل فيه منحنيات معادلات رياضية لتحديد الغليساندو وهو انزلاق الأصابع على زند الوتريات التي يبلغ عددها 46، وعدد كل الفرقة 60 عازفاً يؤدي كل عازف جزءاً خاصاً به فقط. ألف أعمالاً إيقاعية مثل بلياد (1979) تذكرنا بموسيقى جملان من اندونيسيا بإيقاعاتها المعقدة. أما Gendy3 (1991) فهو عمل استعمل فيه لغة الحاسبة الألكترونية المعروفة (Basic).
يندر ذكره اليوم مع أبناء جيله من الموسيقيين الطليعيين عند الحديث عن التيار الموسيقي الذي مثّله، وأخشى أن يكون ذلك بسبب تأريخه السياسي ومواقفه. أصبح عضواً في الأكاديمية الفرنسية في العام 1983.