علاء المفرجي
فالمقالات التي كان ينشرها دوريا في جريدة المدى المعماري والناقد خالد السلطاني ، قد لاقت اهتماما لافتا من قراء ثقافية المدى، بل ان بعضها أثار جدلا ونقاشا كبيرين في اوساط المعماريين، وخاصة من لدن بعض تلاميذه.
وكان من الطبيعي ان تصبح كتابا بعنوان (قراءة في تمثلات عمارة الحداثة بالعراق) قد صدر حديثا..
ولعل الجهد الكبير الذي يبذله السلطاني، في متابعة فن العمارة، ودراسة ما يستجد بها، والذي يكاد ينفرد فيه ليس في العراق حسب بل في جميع البلدان العربية، هو جهد استثنائي وكبير .. فمما لاشك فيه أنه ثمة انحسار في الثقافة المعمارية، وهذا الانحسار فاجع حقاً، وانه إنعكاس لما يحدث في الخطاب الثقافي بصورة عامة. وان غياب النكهة المحلية في المشاريع المصممة، رهن بمقاربة المعمار المصمم، وخياراته الحرة في اصطفاء اتجاهه المهني.
فليس غريبا أن يوظف السلطاني معارفه بالعمارة من خلال بحوثه والمقالات التي ينشرها، تسهم في خلق وعي وذائقة للجمهور في هذا الفن.. والتي تؤكد إلى أي مدى نحن بحاجة إلى إشاعة الوعي بأهمية وخطورة هذا الجنس المعرفي المهم.
فتوسيع مدارات الاهتمام بالعمارة، والتي هي متواجدة في جميع الأنشطة والفعاليات التي نجريها في الحياة. فهي حاضرة في السكن، وفي فضاءات العمل، وفي مناطق الترويح، فضلا عن إننا نلتقي بها في الأبنية الصحية والثقافية والدينية الخ..؛ وهو ما يجد صداه في إدراك جمهور عريض لهذه الفعالية بجوانبها المتعددة.
فالمعرفة بالعمارة وإمكانات نقدها من قبل المشتغلين بها، يوفر أرضية صالحة لتقييمها، وبالتالي تحسين أدائها، فضلا عن ان انتشار الوعي بالعمارة يثري ثقافة الإنسان، ويضيف إلى خزينه المعرفي دراية جديدة. وهذا هو بالضبط ما كرس الدكتور خالد السلطاني له جهده المهني والشخصي. فمهنته وواجبه يحتمان عليه عدم الاقتصار على النشاط الاكاديمي، وإنما تدفعه لتوسيع دائرة المتلقين. والأمر بالتالي لا يخرج كثيرا عن متطلبات مهنته واهتمامه، فهو محب للعمارة؛ ومهتم بقضاياها. ويؤمن بان نشر الثقافة المعمارية هو بالأساس مشروعه المهني وحتى الشخصي، والذي لم يدخر جهدا في مسعاه لتحقيقه بكل السبل المتاحة، ومن كل الأمكنة التي يتواجد بها. باعتبار أن شيوع الثقافة المعمارية، يغني الخطاب الثقافي، ويثري المهنة في آن واحد، والصمت الذي ازاء المنتج المعماري، يكون سببا في عدم الاهتمام بما ينتج؛ سواء كان عمارة رديئة ام ذات قيمة عالية. ففي الحالتين، يجب التنبيه والتقييم بموضوعية، للنهوض بعمارة مميزة. وفي كتابه هذا يواصل السلطاني بحثه الدؤوب، في نشر الوعي والذائقة الكفيلتين بتقديم عمارة يعتد بها.
والكتاب جاء تلبية للاهتمام المتزايد في الاطلاع وزيادة المعرفة عن الاعمال المعمارية. لا سيما نماذج عمارة الحداثة بالعراق، وفي الفترة الزمنية الاخيرة ، ظهرت ثمة كتب وأدبيات منشورة تتعاطى مع هذه الثيمة ، م تكن كافية في تغطيتها لجميع الاحداث المعمارية التي جرت سابقاً، كما أنها لم تصل الى أوساط جماهيرية عريضة .
يحاول كتاب (قراءة في تمثلات عمارة الحداثة بالعراق) الوصول الى أوساط ثقافية مختلفة والى فئات عمرية متباينة، وإعطاء تصور واضح عن طبيعة عمارة الحداثة بالعراق في الفترة المحصورة ما بين تأسيس البلاد في بداية العشرينيات وحتى نهاية السبعينيات، ومعلوم أن تلك الفترة هي فترة مهمة ورائدة، فضلا على أنها خصبة بأعمال عديدة لمعماريين عراقيين أرسوا في زمنهم، الفعل المعماري الحداثي، وقدموا نماذج وتمثلات عديدة في مختلف أنواع النشاط التصميمي، وإن كان ذلك في مجال الاسكان، أو فيما يتعلق بالابنية العامة وحتى الابنية الصناعية. ولاتزال كثير من الأمثلة الواردة في الكتاب قائمة، وتضفي بوجودها المميز نوعا من جمالية الى المواقع والأحياء التي تتواجد فيها لكن بعضها، تعرض للكثير من سوء الاستعمال والتشوية والخراب وحتى التدمير، ما يجعل مثل هذه النماذج المنشورة في الكتاب، وسيلة هامة الى لفت الأنظار اليها والتنبيه الى حضورها والأهتمام بها، كأحد الشواهد ذاكرة المكان ومعالمه المميزة الواجبة الحفاظ.
