علي حسين
كان الفرنسي رولان بارت مولعاً بالصور وعلاقتها بالسياسة، ونجده يكتب "هذه الصور ما هي إلا مجموعة من الإعلانات التي لا تحظى باحترام الجمهور"..
وأعتذر لكم من جديد عن العودة إلى عالم الكتب والفلاسفة، ونحن نعيش أجواء تقلبات النائبة عالية نصيف التي وجدت أن باب المحكمة الاتحادية أقرب إليها من حبل الوريد ، وان الدولة لن تستقيم ما لم تستمع الى حكم ومواعظ صاحبة الحذاء الذهبي ! . تعلمت من خلال عملي في الصحافة أن أفضل شيء يقوم به الكاتب هو تذكير الناس مرة ومرتين وثلاثًاً بما يجري حولهم، ولهذا تجدني مضطراً لأكرر الأسئلة نفسها بين الحين والآخر، ولا شيء يتغير سوى إجابات أصحاب الفخامة والمعالي.
قبل أيام امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي ومعها بعض الوكالات والفضائيات بصورة للرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" تتوسط منطقة الجادرية في بغداد، حيث أراد أصحاب الصورة التأكيد على انحيازهم لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.. ولأننا بلد لا ناقة لها ولا جمل في قضايا العالم وصراعاته ، فنحن شعب " سعيد " لا يزال يحل مشاكله بالقاذفات والرشاشات، وتتصدر " الدكة العشائرية " اهتماماتنا ونسعى أن ندخل موسوعة غينيس كأهم بلد يرفع شعار الولاء للعشيرة قبل الوطن، فقد وجد كاتب مثل جنابي أن صورة بوتين في بلاد الرافدين تعبر عن الكوميديا السياسية التي وصلنا إليها.
سيقول البعض حتماً : يارجل، نحن شعب يناصر قضايا الشعوب، ولا يزال المواطن العراقي البسيط يحلم بأن يصبح بوتين رئيسا لجمهوريته ، مثلما يحلم لنفسه بالأمان من وباء السياسة ووباء الفشل الذي يحاصره، في الوقت الذي نهبت فيه أحزاب السلطة أموال الصحة والتعليم والصناعة والزراعة، وبدلاً من أن نقدم السراق للقضاء، طالبنا المواطن العراقي بأن يشد حزام التقشف.
يا سادتي أصاحب الفخامة ومعكم أصحاب المعالي، لم يعد ممكناً خداع العراقيين بصور ثورية، فالعصر اليوم عصر صورة الواقع، ولم يعد ممكناً تحويل هذا الشعب إلى مجرد هتافين ومرددي شعارات.
المشكلة لم تكن في الصورة، ولا في الشعارات التي يطلقها البعض، بل في الخداع، خداع النفس أولاً، وخداع الناس مرة ومرتين وعشراً.
عندما وضع العراقيون القدماء علم الحساب، لم يكونوا يدركون أن أحفادهم سيتحولون إلى أرقام في سجلات الموتى والمشردين، والباحثين عن الطمأنينة والأمان.لا يهم. سوف نعرف في المستقبل، فالآن نحن منقسمون البعض منا يصفق لبوتين والآخر يمني النفس بهجرة الأوكرانيات إلى العراق ، هل سنظل غارقين في القضايا الكبرى، كالعلاقة المستقبلية بين طهران وواشنطن؟ أم سندخل عصر القضايا البسيطة، كتوفير الأمن والأمان، وفرص العمل لآلاف العاطلين؟ دعونا من خرافة العدالة الاجتماعية وبناء المستقبل .