ستار كاووش
كثيراً ما أُواجَه بأسئلة محيرة، مثل ذلك السؤال الذي طرحه عليَّ أحد الأصدقاء، مازجاً مع كلماته بعض التلميحات المبطنة (لماذا تكتب عن هذه الرسامة؟ هل هي فنانة جيدة الى هذا الحد؟) أو ذلك الصديق الذي إنبرى لي بعد كتابتي عن فنان عراقي، قائلاً (مضت ثلاثين سنة على وجودك في أوروبا،
فلماذا تكتب عن ناس نعرفهم ونعرف أعمالهم؟ نريد أن تُعَرِّفُنا من خلال كتاباتك على فنانين من الخارج)، عندها جمعتُ بعض أفكاري، وكتبتُ عن فنان هولندي، ليشرئب شخص آخر، رامياً بوجهي سـؤاله (أراك تركز في كتاباتك على الهولنديين فقط! أتمنى أن تشير في كتاباتك الى فناني العراق). لا يخلو الموضوع طبعاً من بعض التسؤلات الجيدة والحريصة، تساؤلات تحمل الكثير من الثقة وتمنحني شعوراً بالإمتنان ودافعاً للتواصل. لكن أن يُحَمِّلَ بعضهم الأمور أكثر مما يجب، فهذا يُثير إستغراب شخص بسيط مثلي، شخص لا تحركه مؤسسات ولا ينتمي لتجمعات وليس له دوافع، غير الإشارة الى أشياء وتفاصيل تمس شيئاً ما بداخله.
لا تتوقف الأسئلة أبداً، وهذا بحد ذاته جيداً، لولا أن الكثير من هذه الأسئلة تضمر بعض التضمينات المخفية مع الأسف. وهكذا تعود الأسئلة بهيئات مختلفة على طريقة (هل هؤلاء متميزون حقاً كي تكتب عنهم؟ أراكَ تُجامل في كتاباتك) ومضى الأمر الى أبعد من ذلك، حيث تصلني أحياناً تلفونات ورسائل من أماكن مختلفة حول ما عليَّ فعله وإختياره!! لِمَ كل هذه الجَلَبَة أيها الاصدقاء؟ لستُ كاتباً بهذه الأهمية، حتى أني في حقيقة الأمر، لا أعتبر نفسي كاتباً. فأنا رسام، وهذه هي مهنتي الأساسية، مع ذلك أقتطعُ جزءً من وقتي المخصص للرسم، لكتابة بعض الآراء والأفكار التي جمعتها من خلال تجربتي الشخصية في المتابعة والقراءة والمشاهدات، لإتقاسمها مع الآخرين، أبحثُ عن أعمال أراها جميلة وتستحق الإهتمام، وهذا لا يمنع من أن يراها البعض تقليدية، وذلك من حقهم بالتأكيد، وقد لا تُبهر هذه الأعمال من يرون الفن عبارة عن بعض التقليعات والتهويمات والحذلقات والخربشات التي حدثت بالمصادفة. الرسم -مثل الموسيقى والكتابة- يحتوي على مناطق يجب أن تضاء، لذا أطرح بعض الأفكار الشخصية التي ربما تفيد الناس غير المتخصصين هنا وهناك، الناس الذين يشترون الجريدة اليومية ليجدون فيها شيئاً من المتعة والفائدة، ولا يبحثون عن إجتهادات عصية على الفهم.
كم هو جميل ورائع أن ننظر -أثناء تقييمنا للكتابة- الى الطريقة التي يكتب بها الكاتب، نتتبع الزاوية الخاصة التي يرى من خلالها الأشياء والتفاصيل، لا نطالبه بالكتابة عن الذهب، بل ننتظر منه تحويل الرماد الى ذهبٍ جديد. وفوق هذا وذاك لا يمكن التحكم بإختيارات الكاتب والفنان. فربما لا تعجبك بعض الأعمال الفنية، وهذا شيء شخصي لا غبار عليه، لكنه ليس الحقيقة المطلقة، وهناك من يرى إن هذه الأعمال رائعة ومدهشة. ثمَّ هل دخلتَ ياصديقي الى داخلي وعرفت كيف رأيت أعمال هذه الفنانة أو ذاك الفنان؟ هل تتبعتَ ذائقتي وأنا أنظر الى هذه اللوحات أو تلك التخطيطات؟ ما الضير في تقديم بعضنا بشكل جميل وعادل؟ لماذا تكون الكتابة فقط عن المشاهير الذين يتناوبون بمعارضهم فيما بينهم هنا وهناك كما تتناوب دوريات الحراسة؟ لماذا يرغب البعض بالقفز نحو الصدارة وعدم فسح المجال للآخرين؟ فهناك مناطق تبدو معتمة وتضم فنانات وفنانين كثيرين، وعلينا ايضاً أن نضيئها، فما نفع الضوء حين يضيء مناطق هي مضيئة أصلاً؟ وهل من الهداية أن نكرر الكتابة عن بعضنا ولا نشير الى شخص جديد؟ فهذا الجديد، سيبقى جديداً الى الأبد لو أغلقنا الأبواب والنوافذ عليه، ولم نعيره اهتمامنا رغم إجتهاده وأعماله التي يقدمها هنا وهناك.
كنتُ مبتدأً أيضاً حين قال لي اسماعيل فتاح الترك وهو يرى بعض لوحاتي في معرض طلاب الاكاديمية (أنت مُلَوِّن جيد أيها الولد، جهز لوحاتك لمهرجان الواسطي الذي سيقام الشهر القادم، فهي جيدة وستجلب الإنتباه) وكانت فرحتي لا تُصَدَّق، ولن أنسى له تلك الإلتفاتة التي جعلت لي جناحين طرتُ بهما بعيداً في عالم الفن.