عمـار سـاطع
بعيداً عن مفهوم الصدفة، قريباً من لغة الاستثناءات، فإن الرقم القياسي الذي خطفهُ عرّاب لعبة كرة اليد العراقية، المدرب المُخضرم، ظافر صاحب، يكاد أن يكون مُبهراً بعد أن ارتبط اسمه بألقاب الدوري المحلي الممتاز.
التوقّف عند ما حقّقه المدرّب المميّز، ظافر صاحب، كشّاف اللاعبين، وخاطف الانجازات ومُحقّق الأرقام، جعلته يتربّع في قمّة ترتيب مدرّبي اللعبة، في سابقة ربما لن تتكرّر أو لن تتحقّق بعد عقود من الزمن.
14 لقباً خطفها المدرّب مع فرقنا التي درّبها منذ 37 موسماً بالتمام والكمال، وهذا الكمال لم يأتِ اعتباطاً أبداً، بل أنه جاء نتيجة عملٍ مضنٍ وجهودٍ وقدراتٍ كبيرة كشفت عن حقيقة وجود هكذا مدرّب يمتلك مواصفات فنيّة أثبتت نجاحها وتعملَقت في زمن وجود نخبة خيّرة من الكفاءات التدريبية.
ومهما كان التأريخ قد ضمّ أسماء ارتبطت في لعبة كرة اليد عندنا، والتي يعود تأريخ تأسيس اتحادها رسمياً في أواخر العام 1972 وتحديداً في العاشر من شهر كانون الأول، فإنه سيذكر ظافر صاحب، كأحد أبرز وأهم الاسماء التي ساهمت في البناء والتجديد على حدٍ سواء، مع التذكير في الفترة التي سبقت تأسيس الاتحاد، من حركة دؤوبة قادتها نخبة من المهتمّين والمولعين والمختصّين بها، أبرزهم الرجل الأكاديمي الراحل نجم الدين السهروردي والأستاذ الراحل غالب رنكة، والأستاذ كمال عارف الذي نجح في تأسيس الاتحاد ومساعدة الدكتور سعد محسن وغيرهم من قامات وشخصيات لامعة، مع التأكيد على اسم الأستاذ الأكاديمي مهدي أحمد التكريتي، الاختصاص الأوّل لِمادة كرة اليد في (الكلية الأم) التربية الرياضية بجامعة بغداد.
لا أريد هنا أن اتطرّق لاسماء برزت أو نجوم تألّقت ولاعبين كان لهم الدور البارز في تحقيق الكثير لكرة اليد، لكنّني أكتفي بالإشارة الى أندية كانت صروحاً ومدارس خرّجت المئات من الأبطال مثل الكرخ والجيش والشرطة ومن فرق محافظات ديالى والنجف ونينوى والبصرة وبابل وكربلاء والسليمانية وأربيل، لكن الإسهام الفعلي في تحقيق إنجازات على مستوى اللعبة لاعبين أو مدرّبين أو حتى إداريين، لأنها كثيرة وكبيرة.
وحتى لا نقفز على الحقائق الدامغة، فإن المدرّب الراحل غازي جوهر، شيخ مدربي لعبة كرة اليد، كانت له اليد الطولى في الإرتقاء بواقع اللعبة، عبر شخصيته المؤثرة ونظرته الصائبة واكتشافاته واهتماماته باللاعبين، علماً إن أغلب الأجيال التي ظهرت الى واجهة اللعبة في العقود التي مضت، تدرّب أغلبها تحت إشرافه، غير أن المنطق لا يمكن أن يتقبّل اليوم، سوى منجزات المدرّب المميّز ظافر صاحب الذي خطف الأنظار بالشكل الذي جعلهُ يقف في قمة الهرم التدريبي للعبة.
فمنذ الموسم 1985- 1986 تمكّن المدرّب الاستثنائي من كسب اللقب لنادي الرشيد ستة مواسم متتالية قبل أن يفلح ببقائه في خزانته موسماً سابعاً عقب دمجه تحت اسم نادي الكرخ، ثم ما أن لبث العودة الى البلاد بعد مسيرة احترافية طويلة، حقّق مع فريق نفط البصرة لقبين متتاليين في الموسم 2013- 2014 و 2014- 2015، ثم قاد فريق الشرطة لخمسة ألقاب متتالية.
وحتى في ميدان الاحتراف الذي تجاوزَ العقدين من الزمن، فإن المدرّب الخبير، تألّق بأمكاناته ونتائجه، بل أنه ترك بريقاً مميّزاً عبر انتقالهِ بأفكاره وخَلَفَ المئات من اللاعبين المهمّين، مثلما حملَ ستراتيجيته خارج الحدود ووصل صداها الى ميادين أعمق ورسمَ صورة هي الأمثل حيث لأسم المدرب العراقي.
مفكّرة مدرّبنا كانت كبيرة وسجّلت لنفسها خطوات مميّزة في فرق أندية باربار والنجمة في البحرين والصداقة والمشعل والسد في لبنان والأهلي والسلط في الأردن والقادسية السعودي، وكذلك المنتخبين اللبناني والأردني، نتائج مذهلة جعلت منه مدرّب من طرازٍ نادرٍ، ارتبط اسمه بالبطولات ليس على الصعيد المحلي فقط، بل وحتى الخارجي.
ما دفعني اليوم للكتابة عن هذا المدرّب الكفوء، أننا بحاجة ماسّة الى احقاق الحق تجاه أحد اساطير اللعبة أو من أولئك الذين خدموا كرة اليد لعقودٍ من الزمن لاعباً ومدرّباً وخبيراً، بل وعضواً في الكثير من اللجان الفنيّة والتطويريّة على الصعيدين العربي والآسيوي، مثلما أعتقد أن من الطبيعي جداً أن ندخلهُ ضمن كوكبة المميّزين في التأريخ الرياضي من أوسع الأبواب!